عنّا فإلى الجاهلية (١)
فها هي بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تمحّص عن الضابطة القرآنية في حسن الصحبة وسوئها ، وهي على الموالاة والمتابعة لرسول الله وأهل بيته لا المعاداة لهم والمخالفة ، وأنّ الهجرة تحقّقت بهم ، والنصرة بنصرة الله ورسوله وذي القربى ، فلا هجرة إلّا إليهم لا إلى غيرهم ، ولا نصرة إلّا لهم لا عليهم ، ولا اتّباع بإحسان إلّا باتّباع سبيلهم وصراطهم. اهدنا الصراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين ، سبيل وصراط المطهّرين من المعصية والذنوب ، ومن الضلالة والجهل والعمى.
ودلّلت على ذلك بأن قرن تعالى بين رسوله وبين ذي القربى في مواطن ، كما في اختصاص الخمس والفيء ـ الذي وصفه عمر بأنّه أمرا عظيما ـ بالله ورسوله وذي القربى ، لمكان اللام ، دون اليتامى والمساكين وابن السبيل ، والتفرقة للدلالة على أنّ ملكية التصرّف هي شأنه تعالى ورسوله وذي القربى ، وأنّ مودّة ذوي القربى المفترضة في الكتاب كأجر لكلّ الرسالة هو موالاتهم ومجانبة عدائهم ومخالفتهم ، فمدار حسن الصحبة على ذلك وسوئها على خلافه.
ولقد أنصف أحمد بن حنبل ؛ إذ يروي عنه الفقيه الحنبلي ابن قدامة عند قوله :
وأمّا حمل أبي بكر وعمر (رض) على سهم ذي القربى في سبيل الله ، فقد ذكر لأحمد فسكت وحرّك رأسه ولم يذهب إليه ، ورأى أنّ قول ابن عبّاس ومن وافقه أولى ؛ لموافقته كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم ، فإنّ ابن عباس لمّا سئل عن سهم ذي القربى فقال : إنّا كنّا نزعم أنّه لنا فأبى ذلك علينا قومنا ؛ ولعلّه أراد بقوله (أبى ذلك علينا قومنا) فعل أبي بكر وعمر (رض) في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك ، ومتى اختلف الصحابة وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنّة كان أولى ، وقول
__________________
(١). الكشكول في ما جرى على آل الرسول : ٢٠٣ ـ ٢٠٥ ، وبحار الأنوار ٢٩ / ١٩٤ ح ٤٠ ، نقلا عنه.