والبغي عليهم ، فمعاذ الله أن أكون أسررته أو أعلنته ، بل أنا المحسود المبغي عليه ؛ وأمّا الإبطاء عنهم والكراهة لأمرهم ، فإنّي لست أعتذر منه إليك ولا إلى الناس ؛ وذلك لأنّ الله جلّ ذكره لمّا قبض نبيّه محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم اختلف الناس ، فقالت قريش : منّا الأمير ، وقالت الأنصار : منّا الأمير ؛ فقالت قريش : منّا محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنحن أحقّ بالأمر منكم ؛ فعرفت ذلك الأنصار فسلّمت لقريش الولاية والسلطان ؛ فإذا استحقّوها بمحمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم دون الأنصار ، فإنّ أولى الناس بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أحقّ بها منهم ، وإلّا فإنّ الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا. فلا أدري أصحابي سلّموا من أن يكونوا حقّي أخذوا ، أو الأنصار ظلموا؟! بل عرفت أنّ حقّي هو المأخوذ. (١)
ويتّضح من كلامه عليهالسلام إنّ الصدق والصدّيقية في الصحبة والصحابة إنّما هي بالإقامة على العدل والوفاء بمواثيق الله ورسوله التي أخذت في الكتاب والسنّة عليهم ، وهي التسليم لأهل البيت بالولاية والمودّة ، وإنّهم ولاة الفيء والأنفال والخمس ، وإنّهم الثقل الثاني الواجب التمسّك بهم أعدال الكتاب ، فيتولّى أهل البيت ويبرأ من أعدائهم ، والفاروق من يميّز بين الحقّ الثابت لأهل البيت وبين الباطل الذي عند عدوّهم.
وإنّ أشدّ الناس عناء وبلاء وجهدا في الجهاد والذبّ عن حوزة وحومة النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم هم أهل بيته ، وإنّهم أوّل الناس إيمانا به قبل أن يؤمن به أصحابه من قريش أو الأنصار ، فقد سبق أهل البيت جميع الصحابة سنينا وأعواما ، وهم الّذين تحمّلوا أعباء الرسالة في المرتبة الأولى ، وهم الّذين قدّموا الشهداء في الصفوف الأولى ، فلا تشهد الحروب لأبي
__________________
(١). نهج البلاغة : كتاب ٤٩. ط مؤسّسة الإمام صاحب الزمان عليهالسلام ـ تحقيق السيّد الموسوي ـ ، وهي الطبعة المعتمدة في التخريجات اللاحقة ؛ وقد ذكر للكتاب ولبعض ما ورد فيه مصادر أخرى عديدة من كتب الفريقين. وانظر : شرح نهج البلاغة ١٥ / ٧٤ ـ ٧٨ آخر شرح الكتاب ٩ ، ونهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ٤ / ١٧٢ ـ ١٨٦ الكتاب ٧٠.