عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فخصّ تعالى ذوي القربى بالمقام بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقرنهم به وبذاته المقدّسة دلالة على تشريفهم ولزوم طاعتهم وأحقّيّتهم بالأمر دون غيرهم ، فكرّر اللام التي للاختصاص وملكية التصرّف لذاته تعالى ولرسوله ولذي القربى دون غيرهم ، دلالة على منصب ذوي القربى الخاص في الولاية على الأموال والأمور العامّة.
وقال تعالى مخاطبا نبيّه : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) كما خصّهم بالذكر في الأمر بالمودّة ، وجعله أجرا لكلّ الرسالة والدين وعدلا لمجموع الإسلام الحنيف حين قال تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) وقال : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (١) وقال : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) (٢) ، فبيّن تعالى أنّ مودّة وولاية ذوي القربى هي السبيل إليه تعالى ، وهي لنفع جميع المسلمين وصلاحهم وكمالهم. فلم يدرجهم تعالى مع سائر المهاجرين والأنصار مع إنّ ذوي القربى هم أوّل الناس هجرة إلى الله ورسوله وأوّلهم نصرة وطاعة ونصحا وصبرا.
وقال عليهالسلام في الخطبة المعروفة بعد النهروان :
أمّا بعد. أيّها الناس! أنا الذي فقأت عين الفتنة ، شرقيّها وغربيّها ، ومنافقها ومارقها ، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري ، بعد أن ماج غيهبها ، واشتدّ كلبها ، وأيم الله ، لو لم أك فيكم لما قوتل أصحاب الجمل الناكثون ، ولا أهل صفّين القاسطون ، ولا أهل النهروان المارقون ... إنّ قريشا طلبت السعادة فشقيت ، وطلبت النجاة فهلكت ، وطلبت الهداية فضلّت. إنّ قريشا قد أضلّت أهل دهرها ومن يأتي من بعدها من القرون ؛ ألم يسمعوا ـ ويحهم ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(٣)؟! فأين المعدل والمنزع عن ذرّيّة الرسول ، الّذين شيّد الله بنيانهم فوق بنيانهم ، وأعلى رءوسهم
__________________
(١). الفرقان / ٥٧.
(٢). سبأ / ٤٧.
(٣). الطور / ٢١.