صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلى جاريته ...» ثمّ ذكر بقية القصّة ، وفيها : «فأسرّت إليها ـ أي حفصة لعائشة ـ أن أبشري إنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قد حرّم عليه فتاته ، فلمّا أخبرت بسرّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أظهر الله النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عليه ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا ...) ...» (١).
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس : أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أنزل أمّ إبراهيم منزل أبي أيوب ، قالت : عائشة (رض) : فدخل النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بيتها يوما فوجد خلوة ، فأصابها فحملت بإبراهيم. قالت عائشة : فلمّا استبان حملها فزعت من ذلك ، فمكث رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم حتّى ولدت ، فلم يكن لأمّه لبن فاشترى له ضائنة يغذّي منها الصبي ، فصلح عليه جسمه وحسن لحمه وصفا لونه ، فجاء به يوما يحمله على عنقه فقال : يا عائشة! كيف تري الشبه؟!
فقلت : أنا غيرى ما أدري شبها. فقال : ولا باللحم؟! فقلت : لعمري لمن تغذّى بألبان الضان ليحسن لحمه. قال : فجزعت عائشة (رض) وحفصة من ذلك ، فعاتبته حفصة ، فحرّمها ، وأسرّ إليها سرّا فأفشته إلى عائشة (رض) ، فنزلت آية التحريم ، فاعتق رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم رقبة» (٢).
ويتبيّن من هذه الرواية الأخيرة التي أوردها السيوطي أنّ السرّ الذي أفشته حفصة لعائشة ليس هو تحريم مارية على نفسه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل هو أمر آخر ، كما يتبيّن من الروايات السابقة التي أوردها أنّ هناك تحالفا شديدا بين حفصة وعائشة ، وأنّهما كانتا تغاران بشدّة من مارية ومن ولادتها إبراهيم ابنا للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّهما كانتا تمانعان من الشبه له بهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذه بصمات لحديث الإفك.
__________________
(١). الدرّ المنثور ٦ / ٢٣٩.
(٢). الدرّ المنثور ٦ / ٢٤٠.