والعمدة : أنّ الرواية الأخيرة دالّة على أنّ السرّ وراء التحريم الذي تحلّل منهصلىاللهعليهوآلهوسلم هو أمر ما ، وأنّ تسميته في الآية والرواية ب «السرّ» يقتضي خطورة المعلومة التي ذكرها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لحفصة ، وأنّ هذه المعلومة لا ريب في ارتباطها الوثيق مع التظاهر الخفي المدبّر من ضدّه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثمّ إنّ السيوطي روى روايات عديدة عن ابن مردويه ، وابن عساكر ، والطبراني ، وابن المنذر ، وعبد الرزّاق ، والبخاري ، وغيرهم ، عن ابن عبّاس ، وعائشة ، وغيرهما :
أنّ السرّ الذي أسرّه النبيّ إلى حفصة هو في أمر الخلافة من بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّ الذي سيلي الأمر بعده أبويهما ، إلّا أنّ ألفاظ الروايات مختلفة ، ففي بعضها : «قال : أسرّ إلى عائشة في أمر الخلافة بعده ، فحدّثت به حفصة». وفي بعضها : «إنّ إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) ، قال لحفصة : أبوك وأبو عائشة واليان الناس بعدي ، فإيّاك أن تخبري أحدا». وفي بعضها : «أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لحفصة : لا تخبري عائشة حتّى أبشّرك بشارة ، فإنّ أباك يلي الأمر بعد أبي بكر إذا أنا متّ. فذهبت حفصة فأخبرت عائشة ، فقالت عائشة للنبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا)؟ قال : (نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (١).
والغريب في صياغات هذه الأحاديث أنّها تعبّر عن هذا السرّ بأنّه : «بشارة» ، أو أنّه: «عهد من الباري تعالى» ، وأنّه : «من فضائل الصديق والفاروق» ؛ فإذا كان جوّ المحيط ومناخ هذه المعلومة أنّها «بشارة» و «عهد إلهي» و «فضيلة عظمى» فلم تتظاهرا وتتآزرا في تدبير أمر خفيّ خطير على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلى درجة تستدعي النفير الإلهي ، والتعبئة الشديدة المحال ، والإرباك الأمني؟!! من البيّن الشاهر أنّ المناخ الذي تصوّره السورة هو جوّ ملبّد بظلمة المجابهة ، والمواجهة ، والاستعداد ، وإثم قلوبهما واستدعائه التوبة إلى الله
__________________
(١). الدرّ المنثور ٦ / ٢٤١.