وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (١). وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٢) ، الذي نزل في غدير خمّ.
نعم ، كون الخبر وصول أبويهما إلى سدّة الحكم هو ظاهر اتّفاق روايات الفريقين ـ كما ستأتي بقيّتها ـ لكن هل أنّه بشارة وعهد أم أنّه نذارة وتغلّب ونزاع مع الحقّ وأهله؟! فهذا ما اختلفت فيه الروايات ، وسياق السورة صدرا وذيلا يتنافى مع الأوّل ويتوافق مع الثاني ؛ وهو ما سيتبين من مواصلة البحث في بقية فقرات السورة.
روى في الدرّ المنثور ، عن الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه :
(فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) : يعنى عائشة ، (وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ) : أي بالقرآن ، (عَرَّفَ بَعْضَهُ) : عرّف حفصة ما أظهر من أمر مارية ، (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) : عمّا أخبرت به من أمر أبي بكر وعمر ، فلم يبده ، (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ) إلى قوله : (الْخَبِيرُ) ، ثمّ أقبل عليهما يعاتبهما فقال : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ). الحديث (٣).
وفي هذا الحديث إلفاتة حسّاسة ، هي : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم ينبئ حفصة أو عائشة عمّا فعلتاه من إفشاء الخبر المرتبط بأمر أبي بكر وعمر وما اتّصل من أمور أخرى بذلك الأمر ، ممّا عدّه القرآن الكريم تظاهر وتواطؤ على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ودين الله تعالى ، وممّا له صلة أمنية خطيرة بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ الذي استدعى هذا النفير والتعبئة الإلهية الشاملة.
فهذه قصاصة وثائقية بالغة المؤدّى تقتضي أنّ التدبير الخفي الذي قامتا به هو ممّا يتّصل بأمر أبي بكر وعمر من بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم. والغريب ما في جملة من تفاسير أهل سنّة الجماعة ورواياتهم من تصوير هذه التظاهرة التي قامتا بها على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّها شأن دارج في الحياة الزوجية ، واستدعى كلّ هذا الصخب والاهتمام منه تعالى والإنذار الشديد
__________________
(١). المائدة / ٥٥ ـ ٥٦.
(٢). المائدة / ٦٧.
(٣). الدرّ المنثور ٦ / ٢٤٠ ـ ٢٤١.