أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (١).
ويلاحظ في هذه الآيات تقنين المحبّة ـ التولّي والبراءة ـ بتحريم محبّة الأنداد ، والندّ : كلّ من يدعى لغير طاعة الله تعالى ، كما جاء في الروايات ، ويطابق المعنى اللغوي بقرينة السياق ، وأنّ التبرّي من أهل العصيان والطغيان فريضة ، وأنّ هذا العصيان في التولّي والتبرّي يوجب الخلود في النار ؛ وفي ذلك تعظيم لفريضة التولّي والتبرّي ، وأنّها بمثابة الأصول الاعتقادية الموجبة للنجاة مع الطاعة ، وللخلود في النار مع المعصية.
وهذا لسان خامس في هذه الفريضة ؛ قال تعالى : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) (٢) ، وكان طالوت إماما لبني إسرائيل وجعل متابعته وعدمها مرتبطة بالتولّي والتبرّي.
وكذا قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣) ؛ إذ جعلت المودّة التي هي عماد التولّي لأهل البيت في مصاف أصول الدين بمقتضى تعادل الأجر مع العمل في ماهية المؤاجرة والمعاوضة ، والعمل هو تبليغ الدين ، وهذه الآية جعلت مدار التولّي في الدين والإسلام والإيمان هو موالاة أهل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ وهو ممّا يقتضي عصمتهم.
وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ* وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ
__________________
(١). البقرة / ١٦٥ ـ ١٦٧.
(٢). البقرة / ٢٤٩.
(٣). الشورى / ٢٣.