ويحتمل أن يكون هذا الكلام في زمن بني أميّة ، وأهل الشام ، من بني أميّة وأتباعهم ، كانوا منافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، والمنافقون شرّ من الكفّار وهم في الدرك الأسفل من النار ، وهم كانوا يسبّون أمير المؤمنين عليهالسلام وهو الكفر بالله العظيم ، والنصارى لم يكونوا يفعلون ذلك.
ويحتمل أن يكون هذا مبنيا على أنّ المخالفين غير المستضعفين مطلقا شرّ من سائر الكفّار ، كما يظهر من كثير الأخبار ، والتفاوت بين أهل تلك البلدان باعتبار اختلاف رسوخهم في مذهبهم الباطل ، أو على أنّ أكثر المخالفين في تلك الأزمنة كانوا نواصب منحرفين عن أهل البيت عليهمالسلام ، لا سيّما أهل البلدان الثلاثة ، واختلافهم في الشقاوة باعتبار اختلافهم في شدّة النصب وضعفه. ولا ريب في أنّ النواصب أخبث الكفّار ، وكفر أهل مكّة جهرة هو إظهارهم عداوة أهل البيت عليهمالسلام ، وقد بقي بينهم إلى الآن ، ويعدّون يوم عاشوراء عيدا لهم ، بل من أعظم أعيادهم (١).
أقول : وهذه السنن التي يجازون بها نبيّ الرحمة صلىاللهعليهوآلهوسلم لا زالت منتشرة في بلدان الشام ويسمّونه : «عيد الظفر» ، وكذلك في بعض بلدان المغرب العربي. ومن ثمّ كان النظام الديني القائم في البلاد الإسلامية عند أئمّة أهل البيت عليهمالسلام وفقه الإمامية ليس يشكّل دار الإيمان وإنّما هو دار الإسلام صورة ، ويفرّق في الأحكام الاجتماعية والسياسية والمالية والحقوقية وغيرها بين الدارين.
ففي رواية محمّد بن سابق بن طلحة الأنصاري قال : «كان ممّا قال هارون ـ العبّاسي ـ لأبي الحسن حين أدخل عليه : ما هذه الدار؟ فقال : هذه دار الفاسقين ، قال: (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) (٢).
__________________
(١). مرآة العقول ١١ / ٢١٩.
(٢). الأعراف / ١٤٦.