مشكاة المصابيح (١).
وقد أدرك المسلمون الحال المتردّي الذي وصلوا إليه ، وإنّ إقامة دين محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وإبعاد الزيغ والانحراف عنه في داخل البلاد الإسلامية أوّلا مقدّم على فتح البلدان غير الإسلامية ، وإنّ خلع الخليفة الفاسد ونصب الخليفة العادل هو قطب الرحى الذي يدور عليه نظام الدين ونظام المسلمين ، كما قالت بنت المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم : «وطاعتنا نظاما للملّة».
هذه الحقيقة التي أدركها المسلمون في قتل عثمان هي التي أوجبت اشتعال حروب عليّ عليهالسلام الداخلية ـ حرب الجمل وصفّين والنهروان ـ بدل من فتح البلدان ، وكذلك سيرة الحسنين عليهماالسلام ؛ فإنّ إصلاح أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم مقدّم على دعوة الكفّار إلى الإسلام.
وأي إسلام يدعى الكفّار إليه؟! أهو الإسلام الذي لبني أميّة فيه النصيب الأوفر؟! أم الإسلام الذي ينصّب معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن أبي سفيان ولاة على الشام؟! أم الإسلام الذي يفرّق بين القرشي وغير القرشي ، والعربي وغير العربي؟! أم الإسلام الطبقي البرجوازي ، وإسلام الإقطاع وتكدّس الثروات؟! أم الإسلام الذي يحرّم الخروج على الخليفة الجائر؟! أم الإسلام الذي يرى مشروعية الخليفة المتغلّب بالقوّة على رقاب المسلمين؟! أم الإسلام الذي يسوّغ كلّ مخالفة للأحكام والأصول تحت ذريعة : «اجتهد فأخطأ» ، و : «تأوّل فيعذر»؟! أم الإسلام الذي يمنع تدوين وحفظ أحاديث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لطمس معالم الدين؟!
فالحقيقة التي يصل إليها الباحث في التاريخ والعلوم الإسلامية هي : إنّ قريش وجملة من قبائل العرب لمّا شاهدوا بزوغ الدين الجديد وأنّه ستكون له القدرة والسلطة على كلّ الجزيرة العربية وغيرها من البلدان ، أخذوا بتنظيم عملية اختراق لصفوف
__________________
(١). مشكاة المصابيح : ٤٦٥.