المسلمين منذ السنوات الأولى لبعثة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ ففي الوقت الذي كان رؤساء قريش وغيرها قد اعتمدوا المواجهة المعلنة والمصادمة الشديدة لهذا الدين ، لأنّ مصالحهم ومواقعهم القبلية مهدّدة بالخطر ، اعتمدوا ـ في الوقت نفسه ـ سياسة الاختراق هذه ، التي هي طريق طبيعي مألوف ، في كلّ عصور البشر ، بين أيّ قوّتين متدافعتين.
فأبو سفيان ـ وغيره من الحزب القرشي في مكّة ـ كان يقيم علاقة في أوائل الهجرة مع عبد الله بن أبي سلول في المدينة ، الذي أسلم في الظاهر وكان من رءوس النفاق ، ولم يقم مثل هذه العلاقة مع من أسلم في مكّة في الأيام الأولى ؛ لاختراق صفوف ونظام الإسلام والمسلمين ، واعتمادا على هذه السياسة ، تحسّبا لنتائج المستقبل من أنّ القوّة والسلطة في الجزيرة قد تقع في يد صاحب هذا الدين الجديد.
لقد كانت القبائل النائية عن مكّة تتطلّع إلى ذلك ، فكيف لا تتطلّع قريش إليه ؛ يقول الطبري : «وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعرض نفسه في الموسم إذا كان على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ، ويخبرهم أنّه نبيّ مرسل ، ويسألهم أن يصدّقوه ويمنعوه حتّى يبيّن عن الله ما بعثه به ..
حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا سلمة ، قال : قال محمّد بن إسحاق : وحدّثني محمّد بن مسلم بن شهاب الزهري : «أنّه أتى بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه ، فقال رجل منهم يقال له : بيحرة بن فراس : والله لو أنّي أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب.
ثمّ قال له : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟! قال : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء. قال : فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرت كان الأمر لغيرنا؟! لا حاجة لنا بأمرك. فأبوا عليه» (١).
فإذا كانت القبائل المتوسّطة والصغيرة تتطلّع إلى تولّي الحكم بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ،
__________________
(١). تاريخ الطبري ٢ / ٨٣ ـ ٨٤.