لبيد ولم يقل شيئا ، ثمّ قام إلى الأشعث بن قيس ابن عمّ له يقال له : امرؤ القيس بن عابس من كندة ، فقال له : يا أشعث! انشدك بالله وبإيمانك وبقدومك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إن نكصت أو رجعت عن دين الإسلام ، فإنّك إن تقدّمت تقدّم الناس معك ، وإنّ هذا الأمر لا بدّ له من قائم يقوم به فيقتل من خالف عليه ، فاتّق الله في نفسك ؛ فقد علمت ما نزل بمن خالف أبا بكر ومنعه الزكاة» (١).
ويظهر من هذا النصّ التاريخي أنّ أصحاب السقيفة قد حكموا بالكفر والردّة على مجرّد مخالفة تنصيب أبا بكر وعدم تمكينه من الزكاة ، وهذا التكفير والحكم بالردّة هو بنفسه وبدوره سببا لتطوّر مخالفة خلافة أبي بكر إلى التشكيك في الدين والرجوع حقيقة عنه.
ومن تناقضات أصحاب السقيفة وتلاعبهم في الدين ، أنّهم كفّروا مخالفي استخلاف أبي بكر ومانعيه من التسلّط على رقاب المسلمين وعلى الأموال العامّة ـ كالزكاة ـ وحكموا بإسلام عائشة وطلحة والزبير وأصحاب الجمل ، الّذين نكثوا بيعة عليّ عليهالسلام وقاموا بمحاربته ، وقالوا : بأنّهم تأوّلوا واجتهدوا وأخطئوا.
وكذلك حكموا بإسلام معاوية وأهل الشام القاسطين في محاربتهم أمير المؤمنين عليّعليهالسلام ، وقالوا : بأنّهم اجتهدوا وتأوّلوا وأخطئوا. وكذلك حكموا بإسلام خالد بن الوليد مع استحلاله لقتل مالك بن نويرة وقومه ـ كما سيأتي بيانه ـ مع بقاء مالك وقومه على إسلامهم وإيمانهم ، واستباحة خالد التزويج بزوجة مالك. فلما ذا لا يحكم بكفر وردّة أبي بكر وأصحاب السقيفة ، الّذين أنكروا النصّ على خلافة عليّ عليهالسلام ، وخالفوا عهد الله ورسوله في الوصية؟!
حكى ابن أبي الحديد عن السيّد المرتضى في الشافي قول الجاحظ : «وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريبا وللخصومة معتادا أن يظهر كلام المظلوم وذلّة
__________________
(١). كتاب الفتوح ١ / ٤٥.