قال : فوثب عرفجة بن عبد الله الذهلي فقال : صدق والله الحارث بن معاوية ، أخرجوا هذا الرجل عنكم فما صاحبه بأهل للخلافة ولا يستحقّها بوجه من الوجوه ، وما المهاجرون والأنصار بأنظر لهذه الأمّة من نبيّها محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال : ثمّ وثب رجل من كندة يقال له : عدي بن عوف ، فقال : يا قوم! لا تسمعوا قول عرفجة بن عبد الله ولا تطيعوا أمره ؛ فإنّه يدعوكم إلى الكفر ويصدّكم عن الحقّ ، اقبلوا من زياد بن لبيد ما يدعوكم إليه وارضوا بما رضى المهاجرون والأنصار ؛ فإنّهم أنظر لأنفسكم منكم» (١).
فيظهر من هذا النصّ التاريخي أنّ منطق أصحاب السقيفة هو : الحكم بالكفر والردّة على المعترضين على أبي بكر وأصحابه بخيانة عهد الله ورسوله في وصيّه ، وإنّ حروب الردّة هي ضدّ تلك القبائل التي تمرّدت على استخلاف أبي بكر عدا تلك التي ظهر فيها الكذّابين المدّعين للنبوّة ، كمسيلمة الكذّاب وسجاح ، وإنّ الردّة شعار رفعه أصحاب السقيفة ضدّ تلك القبائل لتبرير قتالهم ، وإخمادا للمعارضة على تنصيب أبي بكر ، وساعد هذا التمويه والإغراء والخداع تقارن هذه المعارضة مع دعاوى الكذّابين الدجّالين للنبوّة ، كمسيلمة وسجاح وطليحة بن خويلد ، فحصل اختلاط في الأوراق وهرج في تصفية الحسابات ومعادلة المواجهات.
وفي نصّ آخر ذكره ابن أعثم : «عند ما وصل كتاب أبي بكر للأشعث ابن قيس وفيه : وأنهاكم أن لا تنقضوا عهده ، وأن لا ترجعوا عن دينه إلى غيره فلا تتّبعوا الهوى فيضلّكم عن سبيل الله ... فأقبل الأشعث على الرسول فقال : إنّ صاحبك أبا بكر هذا يلزمنا الكفر بمخالفتنا له ولا يلزم صاحبه ـ أي : زياد بن لبيد ـ الكفر بقتله قومي وبني عمّي! فقال له الرسول : نعم يا أشعث! يلزمك الكفر ؛ لأنّ الله تبارك وتعالى قد أوجب عليك الكفر بمخالفتك لجماعة المسلمين» (٢).
وهذا النصّ يوضّح أنّ مبنى أصحاب السقيفة أنّ الدين يتمثّل في جماعتهم ، وأنّهم
__________________
(١). كتاب الفتوح ١ / ٤٧.
(٢). كتاب الفتوح ١ / ٥٤.