جماعة المسلمين وما عداهم من المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسعد بن عبادة وسائر القبائل ليسوا بجماعة المسلمين ، وأنّ خيانة الله ورسوله في عهد الوصاية والإمامة وإنكار ما جاء به الرسول في ذلك ليس يوجب الكفر ، فهم قد جعلوا جماعة السقيفة عدل القرآن وبديل النبوّة ، وهذا ممّا يكشف أوراق حروب الردّة ويفضح دجليّة شعارها.
وقال ابن أعثم : إنّ أبا بكر لمّا وصله خبر كندة وعصيانها له وضعف الجيش الذي أرسله عن مقاومة كندة استشار جماعته «ثمّ انصرف أبو بكر إلى منزله وأرسل إلى عمر بن الخطّاب فدعاه ، وقال : إنّي عزمت على أن أوجّه إلى هؤلاء القوم عليّ بن أبي طالب ؛ فإنّه عدل رضا عند أكثر الناس ؛ لفضله وشجاعته وقرابته وعلمه وفهمه ورفقه بما يحاول من الأمور.
قال : فقال له عمر بن الخطّاب : صدقت يا خليفة رسول الله! إنّ عليّا كما ذكرت وفوق ما وصفت ، ولكنّي أخاف عليك خصلة منه واحدة. قال له أبو بكر : وما هذه الخصلة التي تخاف عليّ منها منه؟ فقال عمر : أخاف أن يأبى القتال فلا يقاتلهم ، فإن أبى ذلك فلن تجد أحدا يسير إليهم إلّا على المكروه منه ، ولكن ذر عليّا يكون عندك بالمدينة ؛ فإنّك لا تستغني عنه وعن مشورته ، واكتب إلى عكرمة بن أبي جهل» (١).
ويظهر من هذا النصّ التاريخي أنّ عمر يتخوّف من إباء عليّ عليهالسلام قتال كندة ، ممّا يدلّل على عدم تكفير عليّ عليهالسلام لكندة وعدم قوله عليهالسلام بردّتهم ، ويظهر القول بإسلام كندة أيضا من أبي أيوب الأنصاري عند ما استشاره أبي بكر في كندة ؛ قال : «لو صرفت عنهم الخيل في عامك هذا وصفحت عن أموالهم لرجوت أن ينيبوا إلى الحقّ وأن يحملوا الزكاة إليك بعد هذا العام طائعين غير مكرهين ، فذاك أحبّ إليّ من محاربتك إيّاهم» (٢) ، ولكنّ أبا بكر أبى ذلك ، ولعلّه فطن إلى أنّ أبا أيوب الأنصاري من أنصار عليّ عليهالسلام.
بل إنّ عمر اعترف بإسلام أهل «دبا» ، الّذين ناصروا كندة في تمرّدهم ؛ إذ همّ أبو
__________________
(١). كتاب الفتوح ١ / ٥٧.
(٢). كتاب الفتوح ١ / ٥٦.