من طريق الاجتهاد ; لأنّهما لو حكما من طريق النصّ لَما خصّ سليمان بالفهم فيها دون داود (عليهما السلام).
ويدلّ عليه أيضاً : أنّ درجة المستنبطين أفضل درجات العلوم ، ألاّ ترى أنّ المستنبِط أعلى درجة من الحافظ غير المستنبِط؟! فلم يكن الله ليحرم نبيّه (ع) أفضل درجات العلم ، التي هي درجة الاستنباط (١).
ثمّ استدلّ أيضاً بقوله تعالى : (وَشٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (٢) وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) شاور أصحابه في كثير من الأُمور التي تتعلّق بالدين ، من أمر الحروب وغيرها ;ك ـ : مشورته في النزول في بدر ، ومشورته أبا بكر وعمر في أُسارى بدر ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى أن يعطي المشركين في الخندق نصف ثمار المدينة ، فكتب الكتاب ، فلمّا أراد أن يشهد فيه وحضر الأنصار قالوا : يا رسول الله! أرأي رأيته أم وحي؟ فقال : بل رأيي. فقالوا : فإنّا لا نعطيهم شيئاً ، وكانوا لا يطمعون فيها في الجاهلية أن يأخذوا منها ثمرة إلاّ قِرىً أو مشرىً ، فكيف وقد أعزّنا الله بالإسلام؟!.
ولمّا أخبره عبد الله بن زيد بما رأى من أمر الأذان أمَر بلالاً فأذّن به من غير انتظار الوحي عليها السلام وقال : ((ولا فرق بين الاجتهاد في أمر الحروب وبينه في حوادث الأحكام)).
وبقوله تعالى : (عَفَا اللّٰهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (٤) (وعَبَسَ وَتَوَلّٰى * أَنْ جٰاءَهُ الْأَعْمىٰ) (٥) وغير ذلك من الآي التي نبّه الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه على موضع إغفاله وعاتبه عليه.
وكذلك قصّة تبليغ (سورة براءة) مع أبي بكر ; فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : أنّه لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك. فدفعها إلى عليّ (ع).
__________________
(١) الفصول في الأصول للجصاص ٩٣/٢.
(٢) سورة آل عمران ١٥٩ : ٣.
(٣) رواه أبو داود في سُننه : كتاب الصلاة ، باب : كيف الأذان ، ١٣٥/١ ح ٤٩٩ ؛ وابن ماجة في سُننه ١/ ٢٣٢ ح ٧٠٦.
(٤) سورة التوبة (براءة) ٤٣ : ٩.
(٥) سورة عبس ١ : ٨٠ و ٢.