ولمّا رجع من الخندق ووضع السلاح ، فجاء جبرئيل فقال له : إنّ الملائكة لم تضع أسلحتها بعد. وأمره بالمضي إلى بني قريظة.
وقد قيل : إنّ خطأ آدم (عليهالسلام) في أكل الشجرة كان من طريق الاجتهاد.
ثمّ قال : فإن قال قائل : لو جاز أن يقول النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) من طريق الاجتهاد لكان لغيره من الصحابة مخالفته ; لأنّ ما كان طريقه الاجتهاد فكلّ مَن أدّاه اجتهاده إلى شيء لزمه القول به ، وجاز له مخالفة غيره فيه ، وفي اتّفاق جميع المسلمين على وجوب التسليم له في ما قاله وفعله دلالةً على أنّه لا يقول إلاّ وحياً وتنزيلاً؟!
قيل له : الجواب عن ذلك من وجهين :
أحدهما : إنّا قد علمنا أنّ النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) إذا قال قولاً من طريق الاجتهاد فأغفل موضع الصواب ، نبّهه الله عليه بوحي من عنده ، وغير جائز أن يخلّيه موضع إغفاله ، كما قال تعالى : (عَفَا اللّٰهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) وكقوله : (عَبَسَ وَتَوَلّٰى) فإذا كان هذا سبيله فغير جائز لأحد مخالفته.
والوجه الثاني : إنّ هذا القائل يوافقنا على أنّ الإجماع قد يكون من طريق الاجتهاد ، وقد يثبت عندنا ذلك أيضاً بالدلائل الصحيحة ، ثمّ إذا انعقد إجماع أهل العصر من طريق الاجتهاد لم يجز لمَن بعدهم أن يخالفهم ، والنبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) يقول من طريق الاجتهاد ويكون لاجتهاده مزية لا يحقّ من أجلها لغيره أن يخالفه.
فأمّا قوله تعالى : (وَمٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ * إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ) فإنّ فيه جوابين:
أحدهما : إنّه أراد القرآن نفسه ; لأنّه قال تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ) (١) قيل في التفسير : معناه : القرآن إذا نزل.
والوجه الثاني : إنّ الاجتهاد لمّا كان مصدره عن الوحي ـ لأنّ الله قد أمر به ، فدلّ عليه ـ جاز أن يقال : إنّ ما أدّاه إليه اجتهاد فهو عن وحي ؛ لأنّه قد أُوحي إليه باستعمال الاجتهاد.
__________________
(١) سورة النجم ١ : ٥٣.