فإن قيل : لو جاز له الاجتهاد لَما توقّف في كثير ممّا يسأل عنه ينتظر الوحي.
قيل له : هذا لا يدلّ على ما ذكرت ; لأنّه جائز أن يكون توقّفه وانتظاره للوحي من جهة أنّه لم يتوجّه له فيه رأي ، ولا غلبة ظنّ في شيء بعينه ، فتوقّف فيه ينتظر الوحي.
ويجوز أن يكون قد كان يقوى طمعه في مثله : أن ينزل عليه فيه وحي فلم يعجل بالحكم فيه.
ويجوز أيضاً أن يكون قد كان أُوحي إليه في ذلك شيء بعينه بأن لا يستعمل الاجتهاد إذا سئل وينتظر الوحي (١).
وقال في باب : القول في الاجتهاد بحضرة النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، بأنّه : جائز في حالين ، وهما : عندما يبتدئهم بالمشاورة ، أو أن يجتهدوا بحضرته ، فيعرضوا عليه رأيهم وما يؤدّيهم إليه اجتهادهم مبتدئين ، فإن رضيه صحّ ، وإن ردّه بطل.
وغير جائز في حال إرادة الاستبداد بالاجتهاد لإمضاء حكم من غير أمر النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ; لأنّه لم يكن يأمن أن يكون هناك نصّ قد نزل ويمكن معرفته في الحال فيكون في إمضائه الحكم بالاجتهاد تقدّم بين يدي الله ورسوله (٢).
وحكى الآمدي اختلاف أهل سُنّة الخلافة أيضاً في اجتهاد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما لا نصّ فيه ; فقال :
فقال أحمد بن حنبل ، والقاضي أبو يوسف : إنّه كان متعبّداً به.
وقال أبو علي الجبّائي ، وابنه أبو هاشم : إنّه لم يكن متعبّداً به.
وجوّز الشافعي في رسالته ذلك من غير قطع.
وبه قال بعض أصحاب الشافعي ، والقاضي عبد الجبّار ، وأبو الحسين البصري.
ومن الناس مَن قال : إنّه كان له الاجتهاد في أُمور الحروب ، دون الأحكام الشرعية.
__________________
(١) الفصول في الأصول للجصاص ٢/ ٩٤ ٩٣.
(٢) الفصول في الأصول للجصاص ٢/ ٣٧٦ ٣٧٥.