ولا كذلك ما يحكم به عن اجتهاده ; فإنّه لا يقول فيه عن وحي ولا بطريق التبليغ ، بل حكمه فيه حكم غيره من المجتهدين ، فتطرُّق الخطأ إليه في ذلك لا يوجب الإخلال بمعنى البعثة والرسالة (١).
قبل التعرّض لتفاصيل ردود ما تشبّثوا به من التمحّلات ينبغي الإلفات إلى ما دعاهم إلى ذلك ، وأنّ تماديهم في توجيه الردّ على الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أدّى بهم إلى الالتزام بمناكير وعظائم.
فإنّ عمدة ما دعاهم إلى ذلك هو : توجيه عصيان عمر للنبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، ومخالفات أبي بكر وبقية أعضاء السقيفة لأوامر ونواهي النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم).
ولم يقف الحدّ بهم إلى التوجيه ، بل إلى إنكار التأسّي بالنبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في الأُمور والشؤون بذريعة أنّه يجتهد!
وتداعى بهم ذلك الإنكار إلى إنكار حاكمية الباري تعالى في التشريع ، وأنّه ليس لله تعالى حكم في الوقائع التي يجتهد فيها المجتهدون ، أو أنّ حكمه تعالى ينطبق على كلّ اجتهاد المجتهدين بتعدادهم ، وأنّ أحكامه تعالى ليست تدور مدار الكمالات والنقائص في الأفعال والأشياء ; لأنّ القول ب ـ : عصمة النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) واللوح المحفوظ لأحكام الشريعة ، الذي لا يوصل إليه إلاّ عبر الوحي والنصّ النبوي ، سوف يحرج مذهب الاجتهاد بالرأي والتأوّل بالهوى ، ويعزّز مذهب النصّ والاتّباع للوحي.
بل إنّ ذلك أوصلهم إلى أنّ إجماع الأُمّة ـ الذي قد يكون ناشئاً من اجتهاد الحاكم ـ معصوماً من الخطأ ، مقدّماً على حكم النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ـ حسب زعمهم ـ وهذه قاعدة معرفية مطردة ; فإنّ التقصير في المعرفة يلازم الغلوّ في الجانب المقابل ، والتفريط من جانب يلازم الإفراط في الطرف المقابل.
قال الآمدي معترضاً على نفسه في ما ذهب إليه أهل سُنّة الخلافة : ((إنّ الأُمّة إذا أجمعت على حكم مجتهد فيه ، كان إجماعهم معصوماً عن الخطأ ، كما سبق بيانه ، ولو جاز على النبيّ الخطأ في اجتهاده ، لكانت الأُمّة أعلى رتبة منه ; وذلك محال)).
__________________
(١) الإحكام في أُصول الأحكام ـ للآمدي ـ ٤ / ٤٤٠ ـ ٤٤٢.