وإنّ المقصود من البعثة وإظهار المعجزة : اتّباع النبيّ (عليهالسلام) في الأحكام الشرعية ; إقامةً لمصالح الخلق ، فلو جاز عليه الخطأ في حكمه ، لأوجب ذلك التردّد في قوله ، والشكّ في حكمه ، وذلك ممّا يخلّ بمقصود البعثة ; وهو محال)) (١).
ولم يكتفِ الغزالي بذلك بل استفحل تمسّكه بسُنّة الخلافة إلى القول : ((فإن قيل : فإن ساواه غيره في كونه مصيباً بكلّ حال فليجز لغيره أن يخالف قياسه باجتهاد نفسه.
قلنا : لو تعبّد بذلك لجاز ، ولكن دلّ الدليل من الإجماع على تحريم مخالفة اجتهاده ، كما دلّ على تحريم مخالفة الأُمّة كافّة ، وكما دلّ على تحريم مخالفة اجتهاد الإمام الأعظم والحاكم ; لأنّ صلاح الخلق في اتّباع رأي الإمام والحاكم وكافّة الأُمّة ، فكذلك النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم).
ـ إلى أن قال : ـ فإن قيل : كيف يجوز ورود التعبّد بمخالفة اجتهاده ، وذلك يناقض الاتّباع ، وينفِّر عن الانقياد؟!.
قلنا : إذا عرّفهم على لسانه بأنّ حكمهم اتّباع ظنّهم وإن خالف ظنّ النبيّ ، كان اتّباعه في امتثال ما رسمه لهم)) (٢).
وقال أيضاً : ((أمّا انتظار الوحي فلعلّه كان حيث لم ينقدح له اجتهاد أو في حكم لا يدخله الاجتهاد ، أو نهي عن الاجتهاد فيه (٣).
لكنّه قال في نهاية كلامه : ((أمّا وقوعه ـ أي اجتهاد النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ـ فبعيد ، وإن لم يكن محالاً ، بل الظاهر أنّ ذلك كلّه كان عن وحي صريح ناصّ على التفصيل)) (٤).
ويلاحظ :
أوّلاً : أنّهم يساوون غير النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) به ، بل يصل بهم التقصير في نعوت شؤون النبوّة والغلوّ في الغير إلى القول بأنّ الغير يتفوّق في إصابة الحقّ!!
__________________
(١) الإحكام في أُصول الأحكام ـ للآمدي ـ ٤ / ٤٤١.
(٢) المستصفى في علم الأُصول ٢ / ٣٥٥.
(٣) المستصفى في علم الأُصول ٢ / ٣٥٧.
(٤) المستصفى في علم الأُصول ٢ / ٣٥٧.