بمعانيها ; فهذا حدّ معرفتهم بحقائق الدين والإسلام ..
وعلى ذلك يكون الأنبياء من قبيل الرواة للأخبار ، ومصداق : ((رُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه)) (١)!!
ولم يدرِ هؤلاء أنّ الاستنباط الظنّي والتفكير الذهني وإجالة الفكر في المسائل إنّما هو طريق العاجز ، الجاهل بحقائق الأشياء ، كما هو الحال في الطبيعة البشرية لغير المعصومين ، ولذلك ترى الفرد البشري لا يفكّر في البديهيات ـ كالأُمور المحسوسة ـ والوجدانيات ; لأنّها أُمور حاضرة لديه ، ليست غائبة عنه ، كي يجيل الفكر في طلبها واستحصالها ..
فلا يمكن المقارنة بين حافظ الألفاظ وبين مَن تكون الأشياء حاضرة لديه ، كما لا يمكن المقارنة بين العالم بالأشياء والحقائق حضوراً وبين من يطلب بفكره الوصول إلى صورة معانيها ، التي قد تطابق حقائقها وقد تخطئها.
وكيف يتخيّل هذا القائل أنّ الوحي الإلهي عبارة عن مجرّد سماع أصوات ، وقد قال تعالى (وَمٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْكِتٰابَ إِلاّٰ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢)؟!
فما من اختلاف يقع في هذه الأُمّة إلاّ وبيان حكمه لدى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنزول الوحياني لحقائق الكتاب عليه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) نظير : قوله تعالى : (فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّٰهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٣).
وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (٤).
وتضاحل علم هؤلاء وحسبوا الكتاب الذي أُوحي إلى الرسول هو مجرّد ألفاظ ظاهر التنزيل ، ولم يهتدوا إلى قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ * لاٰ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) (٥).
__________________
(١) مسند أحمد ٣ / ٢٢٥ وج ٤ / ٨٠ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١٧ / ٤٩.
(٢) سورة النحل ٦٤ : ١٦.
(٣) سورة النساء ٥٩ : ٤.
(٤) سورة النحل ٤٤ : ١٦.
(٥) سورة الواقعة ٧٧ : ٥٦ ـ ٧٩.