وهناك تصرّف رابع سُجّل على طائفة منهم : وَ (طٰائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّٰهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجٰاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنٰا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْ ءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّٰهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مٰا لاٰ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كٰانَ لَنٰا مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ مٰا قُتِلْنٰا هٰاهُنٰا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلىٰ مَضٰاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّٰهُ مٰا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مٰا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّٰهُ عَلِيمٌ بِذٰاتِ الصُّدُورِ * إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطٰانُ بِبَعْضِ مٰا كَسَبُوا) (١).
ثمّ تتّصل الآية : وَشٰاوِرْهُمْ عقب ذلك ..
فسياق الآيات وألفاظ هذه الآية كلّ ذلك في جوّ عصيان وتمرّد على أوامر الله ورسوله ، بل في الآيات اللاحقة تتضمّن اتّهام بعضهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما يشير قوله تعالى : (وَمٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمٰا غَلَّ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ) (٢).
ولا تفتر الآيات في تقريع جماعات عديدة من المسلمين من أهل أُحد : (أَوَلَمّٰا أَصٰابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهٰا قُلْتُمْ أَنّٰى هٰذٰا ... وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نٰافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعٰالَوْا قٰاتِلُوا ... الَّذِينَ قٰالُوا لِإِخْوٰانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطٰاعُونٰا مٰا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ) (٣).
و : (مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلىٰ مٰا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّٰى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(٤).
فمن ثمّ صُدّرت هذه الآية بمدح الله تعالى لنبيّه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) على اللين معهم ، ثمّ الأمر بالعفو والتجاوز عن أخطائهم وعصيانهم وتمرّدهم ، والاستغفار لهم ، ثمّ يأتي الأمر : وَشٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ في سياق ذلك ، أي : في سياق تربية النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) للمسلمين ، وتزكيته لهم ، وأنّ مشاورته لهم تصبّ ضمن برنامج التربية والتزكية والتعليم ; ولذلك عقّب تعالى بُعيد هذه الآية بقوله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللّٰهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيٰاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتٰابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كٰانُوا
__________________
(١) سورة آل عمران ١٥٤ : ٣ و ١٥٥.
(٢) سورة آل عمران ١٦١ : ٣.
(٣) سورة آل عمران ١٦٥ : ٣ ـ ١٦٨.
(٤) سورة آل عمران ١٧٩ : ٣.