مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ) (١).
فمشاورته لهم تندرج في تزكيته وتعليمه لهم ; إذ أنّ المشورة تعني : الفحص عن المعلومات ، وملابسات الأشياء ، ووجوه الأُمور ، وهي عبارة عن التوصية بجمع المعلومات ، وتحريّ الوصول إلى الحقيقة والواقع من الجهات العديدة ، نظير : ((أعْلَم الناس مَن جمع علوم الناس إلى علمه)) (٢) و : أعْقَل الناس مَن جمع عقول الناس إلى عقله ..
أي : الاستشارة الخبروية ، لا تحكيم رأي الأكثرية بصفة الكثرة ، بل المدار : الصواب ، ولو كان عند واحد ذي خبرة عالية.
فهو (صلىاللهعليهوآلهوسلم) يربّي المسلمين على سُنّة الاستشارة وتمحيص الرأي في أُمورهم وتدبيرهم ، مضافاً إلى ما في ذلك من جلب تفاعلهم مع الأحداث ، والقيام بالمسؤولية ، ولتمييز الناصح من الخاذل المتخاذل في العلن وأمام الناس ، ولتنكشف النوايا والخبايا ، ولتتكوّن بصيرة لدى القاعدة من عموم الناس.
كما في استشارته (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أصحابه قبل واقعة بدر ، عندما أفلتت عير قريش ، فقام الأوّل وأظهر الخوف من قتال قريش ، فأجلسه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ قام الثاني فقال مثل صاحبه ، فأجلسه النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، ثمّ قام المقداد وأظهر العزم على النصرة لقتال قريش ، فشكره النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم).
ثمّ طلب المشورة أيضاً ليرى مدى همّة الأنصار ، فقام سعد بن معاذ فقال : كأنّك تريدنا؟! أي : الأنصار ; لأنّهم أكثر المسلمين حينئذ ، فقال (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : نعم. فأظهر سعد العزم على النصرة ، فحثّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حينها الناس على قتال قريش؟!
فيظهر من هذه المشورة من النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لمن كان معه أنّها لجملة من الأغراض التربوية التي تقدّم شرحها ، لا لأجل فحصه عن ما هو الصواب! كيف وقد أوحى الله تعالى إليه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أنّ الظفر مقدّر له وللمسلمين في الحرب مع قريش؟!
__________________
(١) سورة آل عمران ١٦٤ : ٣.
(٢) المحاسن ١ / ٣٦٠ ح ٧٧٣ ، الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : ٧٣ ضمن ح ٤١ ، معاني الأخبار : ١٩٥ ضمن ح ١.