ولا لأجل حاجة منه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لحلومهم وعقولهم وخبراتهم! كيف وهو قد أُوحي إليه الكتاب المبين ، الذي لا يغادر مثقال ذرّة في السماوات والأرض ، ولا أصغر ولا أكبر من ذلك إلاّ فيه ، وهو المورّث لأهل بيته هذا الكتاب المكنون وفي اللوح المحفوظ؟!
وقد شكّك الطبري أنّه : كيف يؤمر النبيّ باتّباع الشورى مع أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) غنيّ عن المسلمين بالوحي(١)؟!
وذكر فوائد الشورى من : اقتداء الأُمّة به (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، وتأليف قلوبهم ; ونقل ذلك عن : قتادة ، وابن إسحاق ، والربيع ، والضحّاك ، والحسن البصري.
وذكر الزمخشري في ذيل الآية أنّه : لئلاّ يثقل على العرب استبداده (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرأي دونهم (٢).
وقد رووا عن النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أنّه قال بعد نزول الآية : ((أما إنّ الله ورسوله لغنيّان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأُمّتي ، مَن استشار منهم لم يُعدم رشداً ، ومَن تركها لم يُعدم غيّاً)) (٣).
ومفاد الحديث جامع في المعنى ، وما تقدّم كالشرح له.
وأمّا استشهادهم بما أراده (صلىاللهعليهوآلهوسلم) من إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة عندما أراد أن يوقّع الصلح مع عيينة بن حصن والحارث بن عوف ، على أن يرجعا بمَن معهما عنه وعن أصحابه في معركة الأحزاب ـ الخندق ـ وأنّه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما ذلك واستشارهما ، فقالا : يا رسول الله! أمراً نحبّه فنصنعه ، أم شيئاً أمرك الله به لا بُدّ لنا من العمل به ، أم شيئاً تصنعه لنا؟
قال (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلاّ لأنّي رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كلّ جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما.
__________________
(١) جامع البيان ـ الطبري ـ سورة آل عمران ج ٤ / ١٠١.
(٢) الكشّاف ٢٤٢/١.
(٣) الشورى بين النظرية والتطبيق : ٢٧ ـ ٣٠.