فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله! قد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلاّ قرىً أو بيعاً ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له ، وأعزّنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟! والله ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلاّ السيف ، حتّى يحكم الله بيننا وبينهم.
قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : فأنت وذلك.
فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ، ثمّ قال : يجهزوا علينا(١).
ففيه : إنّ كلامه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) صريح في كون ما أراده من الصلح هو لأجل التخفيف عن أهل المدينة ، وإزالة الحصار عن الأوس والخزرج ، وأراد امتحان عزيمة الأنصار ، ولذلك أطلع السعدين بذلك ، فلمّا رأى ثبات عزيمتهم ورباطة جأشهم استوثق من صبرهم ومجالدتهم ، فأوقف عملية التعاقد على الصلح.
ومن أجل أنّ مشاورته (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم تربيةً منه لهم ، قال تعالى في آخر الآية : فإذا عزمْتَ فتوكّلْ على الله ، فأسند تعالى العزم إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصّة دونهم ، ثمّ رتّب توكّله على الله تعريضاً بعدم اكتراثه (صلى الله عليه وآله وسلم) بمخالفتهم ; إذ يرى (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بإراءة الله تعالى له الصواب في خلاف مرادهم.
ويشير إلى ذلك أيضاً : قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّٰهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلٰكِنَّ اللّٰهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمٰانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيٰانَ أُولٰئِكَ هُمُ الرّٰاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللّٰهِ وَنِعْمَةً وَاللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ؛ فها هو قوله تعالى ينبئ بأنّ رأيهم يوقعهم في العنت والمشقّة ، وأنّ شأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأمر بمقام وبوصف حمله لرسالة الله تعالى مُسدّد من قبَلِه تعالى.
القصور في معرفة الرسول قصور في معرفة حاكمية الله تعالى :
ولا استغراب في تقصيرهم في معرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فإنّها راجعة إلى
__________________
(١) السيرة النبوّية لابن هاشم ٢٢٣/٢.