ويسألوكم القضيّة ويرغبون إليكم في الإياب ، وقد كرهوا منكم ما كرهوا ، وقد أظفركم الله عليهم وردّكم سالمين غانمين مأجورين ، فهذا أعظم الفتح ..
أنسيتم يوم أُحد ، إذ تُصعدون ولا تلوون على أحد ، وأنا أدعوكم في أُخراكم؟!
أنسيتم يوم الأحزاب ، (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، وتظنّون بالله الظنونا).
قال المسلمون : صدق الله ورسوله ، هو أعظم الفتوح ، والله يا نبيّ الله ، ما فكّرنا في ما فكّرت فيه ، ولأنت أعلم بالله وبالأُمور منّا.
فأنزل الله سورة الفتح (١).
أقول :
تذكير النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) للصحابة المتمرّدين عليه ب ـ : فرارهم في يوم أُحد ، وجُبْنهم في الأحزاب ، وظنّهم بالله الظنون السيّئة ، وطعنهم عليه وعلى حقانيّة فعله في الحديبيّة ، وجرأتهم بألْسِنتهم وأفعالهم ; يشير إلى قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللّٰهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقٰائِلِينَ لِإِخْوٰانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنٰا وَلاٰ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّٰ قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذٰا جٰاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذٰا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدٰادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّٰهُ أَعْمٰالَهُمْ وَكٰانَ ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ يَسِيراً) (٢).
وذكر أيضاً رواية أُخرى ، فيها : أنّ دخول الناس في الإسلام عقب صلح الحديبيّة كان أكثر ممّا دخل فيه من قبل.
فيلاحظ أنّ عمر استمرّ في إنكاره لفعل الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، الذي هو بوحي منه تعالى ، وأنكر أن يكون هذا فتحاً ، واستدلّ على ذلك بما توصّل إليه اجتهاده الظنّي ، الذي جزم به في قبال الوحي النبويّ ، بل وتسبّب في جرأة بقيّة الصحابة على
__________________
(١) الدرّ المنثور ٦/ ٦٨.
(٢) سورة الأحزاب ١٨ : ٣٣ ـ ١٩.