فقال أبو بكر : يا نبيّ الله! هم بنو العم والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوّة على الكفّار ، فعسى الله أن يهديهم للإسلام.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما ترى يا ابن الخطّاب؟
قلت : لا والله! يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكنّي أرى أن تمكّنّا فنضرب أعناقهم ، فتمكّن عليّاً من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكّنّي من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه ; فإنّ هؤلاء أئمّة الكفر وصناديدها.
فهوى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فلمّا كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وأبو بكر قاعدين يبكيان ، قلت : يا رسول الله! أخبرني من أيّ شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.
فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : أبكي للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى هذه الشجرة ، شجرة قريبة من نبيّ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنزل الله عزّ وجلّ : (مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ حَتّٰى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) ، إلى قوله : (فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلاٰلاً طَيِّباً) (١) ، فأحلّ الله الغنيمة لهم (٢).
الرواية يرويها مسلم بإسناده عن ابن زميل ، عن عبد الله بن عبّاس ، عن عمر بن الخطّاب ; فالراوي للرواية هو عمر نفسه.
وروى مسلم أيضاً بإسناده عن ابن عمر ، قال : ((قال عمر : وافقت ربّي في ثلاث: في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أُسارى بدر)) (٣).
قال القرطبي : ((وروى يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا يحيى ، قال : حدّثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : لمّا
__________________
(١) سورة الأنفال ٦٩ : ٨.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ٤٦/٨.
(٣) صحيح مسلم : كتاب فضائل الصحابة ب ٢ ح ٢٥.