كان يوم بدر ، جيء بالأُسارى وفيهم العبّاس ، فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم: ما ترون في هؤلاء الأُسارى؟
فقال أبو بكر : يا رسول الله! قومك وأهلك ، استبقهم لعلّ الله أن يتوب عليهم.
وقال عمر : كذّبوك وأخرجوك وقاتلوك ، قدّمهم واضرب أعناقهم.
وقال عبد الله بن رواحة : انظر وادياً كثير الحطب فأضرمه عليهم.
فقال أُناس : يُأخذ بقول أبي بكر. وقال أُناس : يُأخذ بقول عمر. وقال أُناس : يُأخذ بقول عبد الله.
فخرج رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فقال : ... ومثلك يا عمر! لمثل نوح (ع) ، إذ قال : (رَبِّ لاٰ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكٰافِرِينَ دَيّٰاراً) (١) ، ومثلك يا عمر! مثل موسى (ع) ، إذ قال : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلىٰ أَمْوٰالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاٰ يُؤْمِنُوا حَتّٰى يَرَوُا الْعَذٰابَ الْأَلِيمَ)(٢) ، أنتم عالة ، فلاينفلتنّ أحد إلاّ بفداء أو ضربة عنق ...
وفي رواية : فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : إن كادَ ليصيبنا في خلاف ابن الخطاب عذاب ، ولو نزل عذاب ما أفلت إلاّ عمر.
وروى أبو داود عن عمر ، قال : لمّا كان يوم بدر ، وأخذ ـ يعني رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ـ الفداء ، أنزل الله عزّ وجلّ : (مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ حَتّٰى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) ، إلى قوله : (لَمَسَّكُمْ فِيمٰا أَخَذْتُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ) (٣) ، ثمّ أحل الغنائم (٤).
إلى أن قال القرطبي : ((فأعلم الله سبحانه وتعالى أنّ قتل الأسرى الّذين فودوا ببدر كان أوْلى من فدائهم)) (٥).
ثمّ حكى القرطبي عن ابن عبّاس : أنّ قوله تعالى : (فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّٰا فِدٰاءً) (٦) ، نزلت لمّا كثر المسلمون واشتدّ سلطانهم ، لكنّه أشكل على ذلك ـ بعدما روى
__________________
(١) سورة نُوح ٢٦ : ٧١.
(٢) سورة يونس ٨٨ : ١.
(٣) سورة الأنفال ٨/ ٦٨.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ٨/ ٤٦ ـ ٤٧.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ٤٨/٨.
(٦) سورة محمد (ص) ٤ : ٤٧.