* وأمّا الآية الثانية : فهى قوله تعالى
(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ* وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١)
وروى السيوطي وغيره عن جمع انهم يحتجّون بهذه الآيات على عدم جواز تناول الصحابة بقصّ ما وقع منهم ، وأنّ من يتناولهم بسوء ما صدر من أفعال بعضهم ففى قلبه غلّ ، وأنّ من يقتصّ ما جرى بينهم لا يدخل في مدلول (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا). (٢)
ولأجل تحصيل المفاد الصحيح للآيات ينبغي ذكر الآيتين اللاحقتين (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً ، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (٣) فترى أنّ سورة الحشر كسورة التوبة المتقدمة لا تقتصر في تقسيم من كان مع النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الفئة الصالحة فسب ، بل تنبّه على ذكر الجماعة الطالحة وهم المنافقون وهو إبطال لدعوى
__________________
(١). الحشر / ٨ ـ ١٠.
(٢). الدر المنثور ٨ / ١٠٥ ـ ١٠٦ و ١١٣ ـ ١١٤ ، تفسير الطبرى ١٢ / ٤٣ ح ٣٣٨٨٨ ، تفسير فخر رازى ٢٩ / ٢٨٩ ، تفسير البغوى ٤ / ٢٩٢
(٣). الحشر / ١١ ـ ١٢.