مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١) ليس هو كلّ مكّيّ أسلم وانتقل إلى المدينة وصحب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل خصوص من توافرت فيه القيود العديدة المذكورة في الآية ، والتي منها الصدق ، والذي بيّنت السور العديدة الأخرى عدم توافره في جميع الصحابة ، بل توافر في فئة منهم دون غيرها من الفئات ، وأنّهم ضرب من الجماعات ، وكيف يحتمل وصف الآية كلّ مكّيّ ونحوه أسلم وانتقل إلى المدينة أنّه صادق ، وقد صدر من العديد منهم مخالفات ، كالفرار من الزحف الذي هو من الكبائر؟!
هذا ، وقد فرّ كلّ الصحابة يوم حنين إلّا ثلّة من بني هاشم كما في قوله تعالى :
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (٢)
ووقعة حنين كانت بعد عام الفتح! وكذا ما أتاه الصحابة في صلح الحديبية ، وفي مقدّمتهم بعضهم من الاعتراض على صلح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣) كما سيأتي تفصيله! وكذا ما أتاه عدّة من الصحابة من التخلّف عن جيش أسامة ، الذي جهّزه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لقتال الروم ، وقد لعن صلىاللهعليهوآلهوسلم من تخلّف عن جيش أسامة وقال : «نفّذوا جيش أسامة»! (٤). وقد اقتتل الأوس والخزرج بالأيدي والنعال والعصيّ (٥) فنزلت الآية : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (٦)!
__________________
(١). الحشر / ٨.
(٢). التوبة / ٢٥ ـ ٢٦.
(٣). انظر : تاريخ الطبري ٢ / ١٢٢ حوادث سنة ٦ ه ، البداية والنهاية ٤ / ١٣٦ حوادث سنة ٦ ه
(٤). انظر : الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ١٢ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٥٢ ، شرح المواقف ٨ / ٣٧٦.
(٥). انظر : تفسير الدرّ المنثور ٧ / ٥٦٠.
(٦). الحجرات / ٩.