بالمغفرة والأجر العظيم بخصوص المؤمنين العاملين للصالحات ، أي أنّ الآية جاءت بلفظ (مِنْهُمْ) الدالّ على التبعيض وعدم العموم. وهذا ما نطقت به السور جميعها ، فهي تؤكّد على تبعيض المجموع الذي صحب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ سواء في القتال ، أو في السلم حضرا أو سفرا ـ إلى صالح وطالح ، كما إنّ السورة تشترط لحصول المغفرة والأجر العظيم الإيمان والعمل الصالح ، أي الوفاء بالشرط.
* الأمر الرابع : إنّ شأن وقوع بيعة الشجرة ونزول آياتها ـ كما ذكر ذلك في كتب الرواية والتفسير والسير ـ هو ما وقع في صلح الحديبية من عصيان أكثر من كان مع النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم إيّاهم بالحلق والإحلال من الإحرام بعد ما صدّوا عن الاعتمار إلى بيت الله الحرام ، وصار الأمر إلى عقد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الصلح مع قريش ، والذي كان فيه انتصار كبير لرسول الله وللمسلمين على قريش ـ كما وعد الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إلّا أنّ الّذين كانوا في ركبه صلىاللهعليهوآلهوسلم مضافا إلى أنّهم لم يدركوا الحكمة من ذلك ، لم يسلّموا لأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا ، وفي مقدّمتهم أحد الصحابة ممّن يحسب من الخاصة ، فقد ذكرت كتب الصحاح والتواريخ شدّة اعتراضه وردّه لأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى إنّه ارتاب في دينه ، وقد قال تعالى :
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١)
وقال :
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٢).
ولذلك قدّمنا في بيان آيات سورة الحشر أنّ اصطلاحات (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) ... و
__________________
(١). الحجرات / ١٥ و ١٦.
(٢). الأحزاب / ٣٦.