ثمّ إنّ السورة تحذّر ـ أيضا ـ من وقوع انقلاب من المسلمين على الأعقاب برحيل النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي كتب السير أنّ جماعة من المسلمين لمّا شاهدوا الهزيمة وظنّوا أنّ الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم قد قتل ، لاذوا بالفرار وصعدوا الجبل ، واجتمعوا حول صخرة ـ عرفوا بعد ذلك بجماعة الصخرة ـ وقالوا : إنّا على دين الآباء (١) ؛ كي يكون ذلك شافعا لهم عند قريش ، وفي ما سطر في السير ما يلوح أنّهم ممّن يعدّون من أعيان القوم ووجوههم.
والمتأمّل للسور الحاكية للغزوات ـ كما تقدّم في سورة الأحزاب عن غزوة الخندق ، وسورة التوبة عن غزوة تبوك وحنين وغيرهما ـ يجدها ناطقة بلسان التمييز والتقسيم والتصنيف لمن صحب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وشارك في القتال ، وأنّ هناك الفئة الصالحة الثابتة المؤمنة ، وهناك الطالحة وأصناف أهل النفاق ومحترفيه الّذين في قلوبهم مرض.
* أمّا الآية السابعة : فهي قوله تعالى :
(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (٢)
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٣).
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (٤).
وهذه الآيات ـ وما هو من قبيلها ـ يستدلّ بها عندهم على حجّيّة إجماع الأمّة ، أو حجّيّة إجماع الصحابة ، بتقريب أنّهم أوّل المصاديق لهذا العنوان ، ونحو ذلك ، وللوصول إلى المعنى ومفاده في حدود ظهور ألفاظ الآيات لا بدّ من الالتفات إلى النقاط التالية :
__________________
(١). انظر مثلا : السيرة الحلبية ٢ / ٥٠٤ ، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٣ / ٤٤.
(٢). البقرة / ١٤٣.
(٣). آل عمران / ١١٠.
(٤). النساء / ١١٥.