إلى ذلك الإمامان الباقر والصادق عليهماالسلام (١).
لا ريب أنّ الله لم يعن مثل هذا ، بل المراد جماعة خاصة لهم هذا المقام والشأن ، وهم الّذين قال تعالى عنهم : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢) ، فإنّ سنخ اطّلاع هؤلاء على الأعمال وشهادتهم لها لدنّيّة من الله تعالى ، كما إنّ مقتضى ما يعطيه لفظ «الوسط» بقول مطلق هو الوسطية في الصفات والفضائل لا الإفراط ولا التفريط ، فهم النقباء.
كما إنّ الآية السابقة ـ الآية الثانية المذكورة من سورة آل عمران ـ وهي قوله تعالى :
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣) ، فهذه الأمّة الداعية إلى الخير ، والآمرة بالمعروف ، والناهية عن المنكر ، على صعيد الحكم والإمامة هي جزء من مجموع المسلمين ، لا كلّ المجموع.
كما إنّ لفظة (أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) تعطي مفهوم خروجها من الأصلاب ، وفيه إشارة إلى دعوة إبراهيم عليهالسلام حين قال : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٤) وذلك بعد ما حكى الله عنه ما قاله في قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٥).
وكما قال تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ* وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٦) أي جعل التوحيد والعصمة من الشرك كلمة باقية في عقب إبراهيم من نسل إسماعيل ، فكان تقلّب الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم في الأصلاب والأجداد الطاهرين من الشرك والوثنية ، قال تعالى : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ*
__________________
(١). انظر الهامش رقم ٢ من الصفحة السابقة.
(٢). التوبة / ١٠٥.
(٣). آل عمران / ١٠٤.
(٤). البقرة / ١٢٨.
(٥). البقرة / ١٢٤.
(٦). الزخرف / ٢٦ ـ ٢٨.