الثاني ـ لو خلقتا لهلكتا ، لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (١) وهو باطل بالنص والإجماع.
قلنا : يخصان من عموم الآية ، أو يحمل الهلاك على غير الفناء ، أو تفنيان لحظة ، وهو لا ينافي الدوام عرفا.
الثالث ـ لو وجدتا فإما في هذا العالم ، ولا يتصور في أفلاكه لامتناع الخرق والصعود والهبوط ، ولا في عناصره ، لأنها لا تسع جنة عرضها كعرض السماء ، ولأن عود الروح إلى البدن في عالم العناصر تناسخ. وإما في عالم آخر ، وهو باطل لأنه لافتقاره إلى تحدد الجهات يكون كريا ، فيكون بين العالمين خلاء ، ولأنه يشتمل على عناصر وأحياز طبيعية لها ، فيكون لعنصر واحد حيزان طبيعيان ، ويلزم ميله إليه وعنه. قلنا : أكثر المقدمات فلسفية ، مع أنه لا يمتنع كون العالمين في محيط بهما بمنزلة تدويرين في فلك ، ولا كون العناصر مختلفة الطبائع ، ولا كون تحيزها في أحد العالمين حيز طبيعي. والتناسخ تعلق النفس في هذا العالم ببدن آخر.)
جمهور المسلمين على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن ، خلافا لأبي هاشم والقاضي عبد الجبار (٢) ، ومن يجري مجراهما من المعتزلة ، حيث زعموا أنهما إنما يخلقان يوم الجزاء. لنا وجهان :
الأول ـ قصة آدم وحواء ، وإسكانهما الجنة ، ثم إخراجهما عنها بأكل الشجرة ، وكونهما يخصفان عليهما من ورق الجنة على ما نطق به الكتاب والسنة ، وانعقد عليه الإجماع قبل ظهور المخالفين ، وحملهما على بستان من بساتين الدنيا يجري
__________________
(١) سورة القصص آية رقم ٨٨.
(٢) هو عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني أبو الحسين قاض أصولي كان شيخ المعتزلة في عصره ، وهم يلقبونه قاضي القضاة ولي القضاء بالري ومات بها عام ٤١٥ ه له تصانيف كثيرة منها تنزيه القرآن عن المطاعن ، وشرح الأصول الخمسة ، والمغني في أبواب التوحيد والعدل ، وغير ذلك كثير.