وليست الثانية إلّا في القبر. (يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ) (١)
ولقوله صلىاللهعليهوسلم : «القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران» (٢) والأحاديث في هذا الباب متواترة المعنى. تمسك المنكرون بالسمع والعقل. أما السمع فقوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (٣)
ولو كان في القبر حياة ـ ولا محالة ـ يعقبها موت لكان قبل الجنة موتتان. وقوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) (٤).
وقوله تعالى حكاية : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (٥)
ولو كان في القبر إحياء لكانت الإحياءات ثلاثة في الدنيا ، وفي القبر ، وفي الحشر.
والجواب ـ أنّ إثبات الواحد أو الاثنين لا ينافي الثاني والثالث. ثم الظاهر أن قوله تعالى : (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) :
الإحياء في الآخرة ، ولم يتعرض لما في القبر ، لأنه لخفاء أمره ، وضعف أثره لا يصلح في معرض الترغيب في الإيمان ، والتعجيب من الكفر ، وأن قولهم : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (٦) :
في الدنيا وفي القبر. وترك ما في الآخرة لأنه معاين. وقيل : بل القبر والحشر ، لأن المراد إحياء يعقبه علم ضروري بالله ، واعتراف بالذنوب ، وأما العقل فلأن اللذة والألم والمكالمة ، ونحو ذلك تتوقف على الحياة المتوقفة
__________________
(١) سورة آل عمران آية رقم ١٦٩ ، ١٧٠.
(٢) الحديث رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة ٢٦ باب ٢٤٦٠ حدثنا محمد بن أحمد بن مدوبه ، حدثنا القاسم بن الحكم العرني حدثنا عبد الله بن الوليد الوصافي عن عطيه عن أبي سعيد قال وذكره. قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(٣) سورة الدخان آية رقم ٥٦.
(٤) سورة البقرة آية رقم ٢٨.
(٥) سورة غافر آية رقم ١١.
(٦) سورة غافر آية رقم ١١ وتكملة الآية (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ).