عدمي كنقصان الغريزة ، أو وجودي راسخ ، أو غير راسخ. كل من الثلاثة بحسب القوة النظرية أو العملية. فالذي بحسب نقصان الغريزة لا عذاب عليه. والذي بحسب مضاد راسخ في القوة النظرية كالجهل المركب ، فعذابه دائم. والثلاثة الباقية تزول بعد عذاب مختلف في الكيف (١) والكم (٢) بحسب اختلاف الهيئات المضادة في شدة الرداءة وضعفها ، وفي سرعة الزوال وبطئه ، وإن كانت النفس خالية عن الكمال والشوق إليه ، وعما يضاده فهي في سعة من رحمة الله تعالى. ولم يجوز بعضهم كونها معطلة عن الإدراك ، فزعم أنها لا بد أن تتعلق بجسم آخر ، على أن تكون نفسا له تدبره. وهذا هو التناسخ ، أو على أن تستعمله لإمكان التخيل ، فتتخيل الصور التي كانت عندها ، وتلتذ بذلك ، ولا يكون أن تستعمله لإمكان التخيل ، فتتخيل الصور التي كانت عندها ، وتلتذ بذلك ، ولا يكون ذلك الجسم مزاجا ليقتضي فيضان نفس ، بل يكون جرما سماويا ، أو هوائيا (٣) أو نحو ذلك. ولم يستبعد بعضهم المعاد الجسماني ، لأن للتبشير والإنذار نفعا ظاهرا في أمر النظام ، والإيفاء بذلك بثواب المطيع وعقاب العاصي ازدياد للنفع بالقياس إلى الأكثرين ، وإن كان ضررا للمعذب).
في تقرير مذهب الحكماء في الجنة والنار ، والثواب والعقاب ، أما القائلون بعالم المثل ، فيقولون بالجنة والنار ، وسائر ما ورد به الشرع من التفاصيل ، لكن في عالم المثل لا من جنس المحسوسات المحضة على ما يقول به الإسلاميون. وأما الأكثرون فيجعلون ذلك من قبيل اللذات والآلام العقلية ، وذلك أن النفوس البشرية سواء جعلت أزلية كما هو رأي أفلاطون (٤) ، أو لا كما هو رأي ارسطو (٥) ،
__________________
(١) سبق الحديث عن الكيف في كلمة وافية.
(٢) سبق الحديث عن الكم في كلمة وافية.
(٣) سقط من (ب) لفظ (أو هوائيا).
(٤) فيلسوف يوناني تتلمذ على سقراط ، ودون أفكاره على شكل محاورات أسس الأكاديمية في أثينا ووضع نظرية المثل وهي أقوى تأكيد لاستقلال المعقولات عن المحسوسات ولموضوعية القيم في الفكر الغربي كانت فلسفته السياسية تميل إلى النزعة الأرستقراطية. أشهر محاوراته «الجمهورية» التي رسم فيها أول صورة للمدينة الفاضلة ، ٤٢٧ ـ ٣٤٧ ق. م.
(٥) أرسطو : ٣٨٤ ـ ٣٢٢ ق. م فيلسوف يوناني تتلمذ على أفلاطون وعلم الإسكندر الأكبر وأسس اللوقيون حيث كان يحاضر ماشيا فسمي هو وأتباعه بالمشائين ألف (الأورغانون) في المنطق ، وأهم ما ـ