كلا من فعل الواجب والمندوب ينتهض سببا للثواب. ومن فعل الحرام ، وترك الواجب سببا للعقاب ، وبنوا أمر الترغيب في اكتساب الحسنات ، واجتناب السيئات على إفادتهما الثواب والعقاب. لنا وجوه :
الأول ـ وهو العمدة ، ما مر أنه لا يجب على الله تعالى شيء ، لا الثواب على الطاعة (١) ولا العقاب على المعصية.
الثاني ـ أن طاعات العبد ـ وإن كثرت ـ لا تفي بشكر بعض ما أنعم الله عليه. فكيف يتصور استحقاق عوض (٢) عليها. ولو استحق العبد بشكره الواجب عوضا ، لاستحق الرب على ما يوليه من الثواب عوضا ، وكذا العبد على خدمته لسيده الذي يقوم بمئونته ، وإزاحة علله (٣) ، والولد على خدمته لأبيه الذي يربيه ، وعلى مراعاته ، وتوخي مرضاته. لا يقال : لا يجوز أن تكون الطاعة شكرا للنعمة ، لأن العقلاء يستقبحون الإحسان إلى الغير لتكليفه الشكر ، ولأن الشكر يتصور بدون تكليف المشاق والمضاد ، كشكر أهل الجنة ، فلا بد لتكليف المشاق من عوض (٤) ليخرج عن العبث (٥) ، لأنا نقول بعد تسليم قاعدة الحسن والقبح ، ولزوم العوض ، وقبح الإحسان لتكليف الشكر. فوجوب الشكر على الإحسان لا يوجب كون الإحسان لأجله حتى يقبح ، وكون تكليف المشاق لغرض لا يوجب كونه لغرض. ولو سلم لكفى بترتب التفضل عليه عوضا.
الثالث ـ أنه لو وجب (٦) الثواب والعقاب بطريق الاستحقاق ، وترتب المسبب على السبب. لزم أن يثاب من واظب طول عمره (٧) على الطاعات. وارتد ـ نعوذ بالله تعالى ـ في آخر الحياة ، وأن يعاقب من أصر دهرا على كفره وتبرأ وأخلص
__________________
(١) في (ب) بزيادة (العبد).
(٢) في (ب) أجر بدلا من (عوض).
(٣) في (ب) أوجاعه بدلا من (علله).
(٤) سقط من (ب) لفظ (من عوض).
(٥) في (ب) بزيادة لفظ (اللهو).
(٦) في (ب) تحقق بدلا من (وجب).
(٧) في (ب) حياته بدلا من (عمره).