مقابلة النص. وفي الاعتقادات.
الرابع ـ أن الوعيد بدوام العذاب لطف لكونه أزجر. فيجب ، ثم لا يزول.
والجواب بعد تسليم وجوب اللطف أن المنقطع أيضا لطف. فليكن للمؤمن ، والدائم للكافر ، إذ ليس يجب لكل احد ما هو الغاية في اللطف).
أجمع المسلمون على خلود أهل الجنة في الجنة ، وخلود الكفار في النار.
فإن قيل : القوى الجسمانية متناهية ، فلا تقبل خلود الحياة ، وأيضا الرطوبة التي هي مادة الحياة تفنى بالحرارة ، سيما حرارة نار الجحيم ، فتفنى إلى الفناء ضرورة ، وأيضا دوام الإحراق مع بقاء الحياة خروج عن قضية العقل.
قلنا : هذه قواعد فلسفية غير مسلمة عند المليين ، ولا صحيحة عند القائلين بإسناد الحوادث إلى القادر المختار. وعلى تقدير تناهي القوى وزوال الحياة يجوز أن يخلق الله البدل ، فيدوم الثواب والعقاب. قال الله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (١)
هذا حكم الكافر الجاهل المعاند. وكذا من بالغ في الطلب والنظر ، واستفرغ المجهود ولم ينل المقصود خلافا للجاحظ والعنبري ، حيث زعما أنه معذور ، إذ لا يليق بحكمة الحكيم أن يعذبه مع بذل الجهد والطاقة من غير جرم وتقصير. كيف وقد قال الله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢)
(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (٣)
ولا شك أن عجز المتحير أشد. وهذا الفرق خرق للإجماع وترك للنصوص الواردة في هذا الباب. هذا في حق الكفار عنادا واعتقادا ، وأما الكفار حكما كأطفال المشركين ، فكذلك عند الأكثرين لدخولهم في العمومات ، ولما روي أن
__________________
(١) سورة النساء آية رقم ٥٦.
(٢) سورة الحج آية رقم ٧٨.
(٣) سورة النور آية رقم ٦١ وسورة الفتح آية رقم ١٧.