الثالث ـ وهو على قاعدة الاعتزال ، أن من واظب على الإيمان والعمل الصالح مائة سنة ، وصدر عنه في أثناء ذلك أو بعده جريمة واحدة كشرب جرعة من الخمر ، فلا يحسن من الحكيم أن يعذبه على ذلك أبد الآباد. ولو لم يكن هذا ظلما ، فلا ظلم ، أو لم يستحق بهذا ذما ، فلا ذم.
الرابع ـ أن المعصية متناهية زمانا ، وهو ظاهر وقدرا لما يوجد من معصية أشد منها فجزاؤها يجب أن يكون متناهيا تحقيقا لقاعدة العدل بخلاف الكفر ، فإنه لا يتناهى قدرا ، وإن تناهى زمانه. وأما التمسك بأن الخلود في النار أشد العذاب وقد جعل جزاء لأشد الجنايات ـ وهو الكفر ـ فلا يصح جعله جزاء بما هو دونه كالمعاصي. فربما يدفع بتفاوت مراتب العذاب في الشدة ، وإن تساوت في عدم الانقطاع.
الخامس ـ أنه استحق الثواب بالإيمان والطاعات عقلا عندكم ووعدا عندنا. ولا يزول ذلك الاستحقاق بارتكاب الكبيرة لما سيجيء ، فيكون لزوم اتصال الثواب إليه بحالة. وما ذاك إلا بالخروج من النار والدخول في الجنة ، وهو المطلوب. واحتجت المعتزلة بوجوه :
الأول ـ الآيات الدالة على الخلود المتناولة ما للكافر وغيره كقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) (١)
وقوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (٢)
وقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها)(٣).
ومثل هذا مسوق للتأبيد ونفي الخروج. وقوله : (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ).
__________________
(١) سورة الجن آية رقم ٢٣.
(٢) سورة النساء آية رقم ٩٣.
(٣) سورة السجدة آية رقم ٢.