أعني الإيمان. مع انتفاء ركنه ، أعني الأعمال. وكيف يدخل الجنة من لم يتصف بما جعل اسما للإيمان؟ وجوابه أن الإيمان يطلق على ما هو الأصل والأساس في دخول الجنة ، وهو التصديق وحده ، أو مع الإقرار. وعلى ما هو الكامل المنجي بلا خلاف ، وهو التصديق مع الإقرار والعمل على ما أشير إليه بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...) (١) إلى قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا).
وموضع الخلاف أن مطلق الاسم للأول أم الثاني؟ وذكر الإمام في وجه الضبط أن الإيمان إما أن يكون اسما لعمل القلب فقط ، وهو المعرفة عند الإمامية ، وجهم ، والتصديق عندنا ، وإما لعمل الجوارح. فإن كان هو القول ، فمذهب الكرامية. أو سائر الأعمال ، فمذهب المعتزلة. وإما مجموع عمل القلب والجوارح ، وهو مذهب السلف. وفيه اختلال من جهة ترك عمل القلب في مذهب الاعتزال ، وعدم التعرض لمذهب التصديق والإقرار.
فإن قيل : قد ذكرت من المذاهب ما يبلغ عشرة ونحن قاطعون بأن النبي (عليهالسلام) ومن بعده كانوا يأمرون بأمر معلوم يمتثل من غير افتقار إلى بيان ، ولا استفسار إلا بحسب المتعلق. أعني ما يجب الإيمان به ، فكيف ذلك؟
قلنا : لا خفاء ولا خلاف في أنهم كانوا يأمرون بالتصديق وقبول الأحكام ، ويكتفون في حق الأحكام الدنيوية بما يدل على ذلك ، وهو الإقرار. إلا أنه وقع اختلاف واجتهاد في أن مناط الأحكام الأخروية مجرد هذا المعنى أم مع الإقرار ، أم كلاهما مع الأعمال. وفي أن ذلك مجرد معرفة واعتقاد أم أمر زائد على ذلك. وهذا لا بأس به.
__________________
ـ وأحد الكتاب المترسلين ، ولد في بعلبك ونشأ في البقاع وسكن بيروت وتوفي بها عام ١٥٧ ه وعرض عليه القضاء فامتنع له كتاب السنن في الفقه والمسائل. وغير ذلك راجع ابن النديم ١ :
٢٢٧ ، والوفيات ١ : ٢٧٥ وتاريخ بيروت ١٥ ، وحلية الأولياء ٦ : ١٣٥.
(١) سورة الأنفال آية رقم ٢ ، ٤ وتكملة الآيات (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ، أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).