بد أن يكون على وجه الإعلان والإظهار على الإمام وغيره من أهل الإسلام. بخلاف ما إذا كان لإتمام الإيمان ، فإنه يكفي مجرد التكلم ، وإن لم يظهر على غيره. ثم الخلاف فيما إذا كان قادرا ، وترك التكلم ، لا على وجه الإباء. إذا العاجز كالأخرس مؤمن وفاقا. والمصر على عدم الإقرار مع المطالبة به كافر وفاقا لكون ذلك من أمارات عدم التصديق. ولهذا أطبقوا على كفر أبي طالب. (١) وإن كابرت الروافض غير متأملين في أنه كان أشهر أعمام النبي (عليهالسلام) ، وأكثرهم اهتماما به ، وأوفرهم حرصا من النبي (عليهالسلام) على إيمانه. فكيف اشتهر إيمان حمزة والعباس (رضي الله عنهما) ، وشاع على رءوس المنابر فيما بين الناس ، وورد في إيمانهما الأحاديث المشهورة ، وكثر منهما في الإسلام المساعي المشكورة دون أبي طالب.
وأما على الرابع ، وهو أن يكون الإيمان اسما لفعل القلب واللسان والجوارح على ما يقال إنه إقرار باللسان ، وتصديق بالجنان ، وعمل بالأركان. فقد يجعل تارك العمل خارجا عن الإيمان ، داخلا في الكفر ، وإليه ذهب الخوارج ، أو غير داخل فيه ، وهو القول بالمنزلة بين المنزلتين ، وإليه ذهب المعتزلة ، إلا أنهم اختلفوا في الأعمال ، فعند أبي علي ، وأبي هاشم ، فعل الواجبات ، وترك المحظورات ، وعند أبي الهذيل ، وعبد الجبار ، فعل الطاعات واجبة كانت أو مندوبة ، إلا أن الخروج عن الإيمان ، وحرمان دخول الجنة بترك المندوب مما لا ينبغي أن يكون مذهبا لعاقل. وقد لا يجعل تارك العمل خارجا عن الإيمان ، بل يقطع بدخول الجنة ، وعدم خلوده في النار ، وهو مذهب أكثر السلف ، وجميع أئمة الحديث ، وكثير من المتكلمين ، والمحكى عن مالك والشافعي والأوزاعي (٢) ، وعليه إشكال ظاهر ، وهو أنه كيف لا ينتفي الشيء؟
__________________
(١) هو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم من قريش أبو طالب والد علي ـ رضي الله عنه ، وعم النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكافله ومربيه وناصره كان من أبطال بني هاشم ورؤسائهم ومن الخطباء العقلاء الأباة ، وله تجارة نشأ النبي في بيته وسافر معه إلى الشام في صباه ولما ظهر الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان أبو طالب له نعم المساعد والمعين لم يسلم واستمر على ذلك إلى أن توفي عام ٣ ق. ه.
(٢) هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي أبو عمرو إمام الديار الشامية في الفقه والزهد ، ـ