بأنه اسم لمعنى آخر ، غير المعرفة. والتصديق هو التسليم. إلا أنه يعود بالآخرة إلى التصديق على ما يراه أهل التحقيق.
وعلى الثاني ، وهو أن يجعل اسما لفعل اللسان. أعني الإقرار بحقية ما جاء به النبي (عليهالسلام). وقد يشترط معه معرفة القلب ، حتى لا يكون الإقرار بدونها إيمانا. وإليه ذهب الرقاشي زاعما أن المعرفة ضرورية يوجد لا محالة. فلا يجعل من الإيمان لكونه اسما لفعل مكتسب ، لا ضروري. وقد يشترط التصديق. وإليه ذهب القطان ، (١) وصرح بأن الإقرار الخالي عن المعرفة والتصديق لا يكون إيمانا. وعند اقترانه بهما يكون الإيمان هو الإقرار فقط. وقد لا يشترط شيء منهما. وإليه ذهب الكرامية ، حتى إن من أضمر الكفر ، وأظهر الإيمان ، يكون مؤمنا ، إلا أنه يستحق الخلود في النار. ومن أضمر الإيمان ، وأظهر الكفر ، لا يكون مؤمنا. ومن أضمر الإيمان ، ولم يتفق منه الإظهار والإقرار ، لم يستحق الجنة. وإذا تحققت فليس لهؤلاء الفرق الثلاث كثير خلاف في المعنى وفيما يرجع إلى الأحكام.
وعلى الثالث ، وهو أن يكون اسما لفعل القلب واللسان ، فهو اسم للتصديق المذكور ، مع الاقرار. وعليه كثير من المحققين ، وهو المحكي عن أبي حنيفة (رحمهالله تعالى). وكثيرا ما يقع في عبارات النحارير من العلماء مكان التصديق ، تارة المعرفة ، وتارة العلم ، وتارة الاعتقاد. فعلى هذا من صدق بقلبه ، ولم يتفق له الإقرار باللسان في عمره مرة ، لا يكون مؤمنا عند الله تعالى ، ولا يستحق دخول الجنة ، ولا النجاة من الخلود في النار. بخلاف ما إذا جعل اسما للتصديق فقط. فإن الإقرار حينئذ شرط لإجراء الأحكام في الدنيا من الصلاة عليه ، وخلفه ، والدفن في مقابر المسلمين ، والمطالبة بالعشور والزكاة ، ونحو ذلك. ولا يخفى أن الإقرار بهذا الغرض لا
__________________
(١) هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي بوسعيد من حفاظ الحديث ثقة حجة من أقران مالك وشعبة من أهل البصرة كان يفتي بقول أبي حنيفة وأورد له البلخي سقطات ولم يعرف له تأليف إلا ما في كشف الظنون من أن له كتاب المغازي. قال أحمد بن حنبل : ما رأيت بعيني مثل يحيى القطان توفي عام ١٩٨ ه راجع تذكرة الحفاظ ١ : ٢٧٤ وتهذيب التهذيب ١١ : ٢١٦ وتاريخ بغداد ١٤ : ١٣٥ وكشف الظنون ١٤٦ والعبر للذهبي ١ : ٣٢٧.