لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (١).
ولما أنه في التحقيق عائد إلى أخذ الشيء صادقا ، والصدق مما يوصف به المتكلم ، والكلام والحكم يقع تعليقه بالشيء باعتبارات مختلفة مثل : آمنت بالله أي بأنه واحد متصف بما يليق ، منزه عما لا يليق ، وآمنت بالرسول ، أي بأنه مبعوث من الله تعالى ، صادق فيما جاء به. وآمنت بملائكته ، أي بأنهم عباده المكرمون ، المطيعون ، المعصومون ، لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة ، ليسوا بنات الله ، ولا شركاءه وآمنت بكتبه وكلماته ، أي بأنها منزلة من عند الله ، صادقة فيما تتضمنه من الأحكام. وآمنت باليوم الآخر ، أي بأنه كائن البتة. وآمنت بالقدر ، أي بأن الخير والشر بتقدير الله ومشيئته ، ومرجع الكل إلى القبول والاعتراف. وأما في الشرع فاختلف الآراء في تحقيق الإيمان وفي كونه اسما لفعل القلب فقط ، أو فعل اللسان فقط ، أو لفعلهما جميعا ، وحدهما أو مع سائر الجوارح. وهذه طرق أربعة.
فعلى الأول قد يجعل اسما للتصديق. أعني تصديق النبي فيما علم مجيئه به بالضرورة. أي فيما اشتهر كونه مع الدين. بحيث يعلمه من غير افتقار إلى نظر واستدلال ، كوحدة الصانع ، ووجوب الصلاة ، وحرمة الخمر ، ونحو ذلك. ويكفي الإجمال فيما يلاحظ إجمالا. ويشترط التفصيل فيما يلاحظ تفصيلا ، حتى لو لم يصدق بوجوب الصلاة عند السؤال عنه. وبحرمة الخمر عند السؤال عنه كان كافرا. وهذا هو المشهور. وعليه الجمهور. وقد يجعل اسما للمعرفة. أعني معرفة ما ذكرناه ، ويتناول معرفة الله تعالى بوحدانيته ، وسائر ما يليق به ، وتنزهه عما لا يليق به ، وهو مذهب الشيعة (٢) ، وجهم بن صفوان ، وأبي الحسين الصالحي من القدرية. وقد يميل إليه الأشعري. وستعرف فرقا بين المعرفة والتصديق. ومن الناس من يكاد يقول
__________________
(١) سورة يوسف آية رقم ١٧.
(٢) الشيعة : هم الذين شايعوا عليا ـ رضي الله عنه على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصيه إما جليا وإما خفيا ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده ، وقالوا ليست الإمامة بقضية مصلحة بل قضية أصولية. راجع الملل والنحل ١ : ١٤٦