أما المقام الأول فبيانه بنصوص تدل على ذلك حتى إن القول بكون الإيمان مجرد الإقرار يكاد يجري مجرى إنكار النصوص. قال الله تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ)(١) (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٢) (الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) (٣) (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٤) (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ)(٥).
وقال النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) : «اللهم ثبت قلبي على دينك ، ومن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان» (٦) الحديث.
وقد يستدل بوجهين :
أحدهما ـ أنه لو كان الإيمان هو القول لما كان المكلف مؤمنا حقيقة إلا حال التلفظ لانقضاء القول بعده ، بخلاف التصديق ، فإنه باق في القلب حتى حال النوم والغفلة إلى طرآن ضده ، الذي هو الكفر.
وأجيب بعد تسليم كون اسم الفاعل حقيقة في الحال ، دون الماضي بأن المؤمن من بحسب الشرع اسم لمن تكلم بما يدل التصديق إلى أن يطرأ ضده. وثانيهما أنا لو فرضنا عدم وضع لفظ التصديق لمعنى ، أو وضعه لمعنى آخر ، لم يكن المتلفظ به مؤمنا قطعا.
وأجيب بأنهم لا يعنون أن الإيمان هو التلفظ بهذه الحروف كيف ما كانت ، بل التلفظ بالكلام الدال على تصديق القلب أية ألفاظ كانت ، وأية حروف ، من غير أن يجعل التصديق جزءا منه. والحاصل أنه اسم للمقيد ، دون المجموع. تمسك المخالف بوجهين :
أحدهما ـ قوله تعالى : (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا) (٧).
حيث رتب ثواب الجنة على القول.
__________________
(١) سورة المجادلة آية رقم ٢٢.
(٢) سورة النحل آية رقم ١٠٦.
(٣) سورة المائدة آية رقم ٤١.
(٤) سورة الحجرات آية رقم ١٤.
(٥) سورة الممتحنة آية رقم ١٠.
(٦) سبق تخريج هذا الحديث.
(٧) سورة المائدة آية رقم ٨٥.