قلنا : إن كانت «ما» موصولة فالقول بالتحقيق هو المعنى. وإن كانت مصدرية ، فالقول إن حمل على اللفظ ، فالثواب عليه لدلالته على وجود المعنى في النفس. وإن حمل على النفس ، فهو نفس التصديق. ويدل على ما ذكرنا قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (١)
حيث رتب على القول الخالي عن تصديق القلب العقاب بالنار. والمخالف أيضا لا يخالف في ذلك. وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٢).
حيث نفى الإيمان عمن أقر باللسان دون القلب.
وثانيهما أن النبي (عليهالسلام) ومن بعده كانوا يكتفون من كل أحد بمجرد الإقرار والتلفظ بكلمتي الشهادة ، حتى أن أسامة حين قتل من قال : «لا إله إلا الله» ذهابا إلى أنه لم يكن مصدقا بالقلب ، أنكر عليه النبي (عليهالسلام) وقال : هلا شققت قلبه (٣)؟ وقال (عليهالسلام) : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله. فإذا قالوا ذلك ، عصموا مني دماءهم وأموالهم» (٤).
قلنا : هذا في حق أحكام الدنيا ، وإنما النزاع في أحكام الآخرة. وإذا تأملت فحديث أسامة لنا ، لا علينا.
قال : المقام الثاني أن الإيمان
(في الشرع لم ينقل إلى غير معنى التصديق ، لأنه خلاف الأصل ، ولأن العرب كانوا يتمثلون من غير استفسار ولا توقف إلا فيما يجب الإيمان به. وقد بين بقوله صلىاللهعليهوسلم : «الإيمان أن تؤمن بالله ...» (٥) الحديث. غاية الأمر أنه خص بالتصديق بأمور مخصوصة. ومعناه ما يعبر عنه بگرويدن وراست گوى داشتن ،
__________________
(١) سورة النساء آية رقم ١٤٥.
(٢) سورة البقرة آية رقم ٨.
(٣) الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب الإيمان ١٥٨ وأبو داود في الجهاد ٩٥ وابن ماجه في الفتن ١ وأحمد بن حنبل في المسند ٤ : ٤٣٩ ، ٥ : ٢٠٧ (حلبى).
(٤) سبق تخريج هذا الحديث.
(٥) سبق تخريج هذا الحديث.