ويقابله التكذيب ، وينافيه التردد ، وهو غير العلم والمعرفة ، لأن من الكفار من كان يعرف ولا يصدق. قال الله :
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) (١) (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُ) (٢) (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (٣).
وبين الفرق بأن المقابل للتصديق الإنكار والتكذيب ، وللمعرفة النكر والجهالة. ولهذا قد يفسر بالتسليم ، وبالعكس. وبأن التصديق ربط القلب على ما علم من إخبار المخبر ، وهو كسبي اختياري ، ولهذا يؤمر به ويثاب عليه. والمعرفة ربما تحصل بلا كسب. ولقد زاد من قال : المعتبر في الإيمان التصديق الاختياري. ومعناه نسبة الصدق إلى المتكلم اختيارا. وبهذا يمتاز عما جعل في المنطق مقابلا للتصور فإنه قد يخلو عن الاختيار فلا يكون تصديقا في اللغة ، فلا يكون إيمانا في الشرع ، كيف والتصديق مأمور به ، فيكون فعلا اختياريا هو إيقاع النسبة اختيارا ، والعلم كيفية نفسانية أو انفعال).
في اللغة التصديق بشهادة النقل عن أئمة اللغة ودلالة موارد الاستعمال. ولم ينقل في الشرع إلى معنى آخر.
أما أولا ، فلأن النقل خلاف الأصل لا يصار إليه إلا بدليل.
وأما ثانيا ، فلأنه كثر في الكتاب والسنة خطاب العرب به. بل كان ذلك أول الواجبات وأساس المشروعات ، فامتثل من امتثل من غير استفسار ولا توقف إلى بيان. ولم يكن ذلك من الخطاب بما لا يفهم ، وإنما احتيج إلى بيان ما يجب الإيمان به ، فبين وفصل بعض التفصيل ، حيث قال النبي (عليهالسلام) لمن سأله عن الإيمان : «الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ...» (٤) الحديث.
__________________
(١) سورة البقرة آية رقم ١٤٦.
(٢) سورة البقرة آية رقم ١٤٤.
(٣) سورة النمل آية رقم ١٤.
(٤) سبق تخريج هذا الحديث.