فذكر لفظ تؤمن بالله تعويلا على ظهور معناه عندهم. ثم قال : هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم دينكم. ولو كان الإيمان غير التصديق ، لما كان هذا تعليما وإرشادا ، بل تلبسا وإضلالا. نعم ، لو قيل : إنه في اللغة لمطلق التصديق ، وقد نقل في الشرع إلى التصديق بأمور مخصوصة ، فلا نزاع. وإنما المقصود أنه تصديق بالأمور المخصوصة بالمعنى اللغوي ، وهو ما يعبر عنه بالفارسية بگرويدن وراست گوى داشتن. ويخالفه التكذيب ، وينافيه التوقف والتردد. ولهذا اختار العلماء في ألفاظ الإيمان گرويدم باور داشتم راست گوى داشتم بدل ، وأنه معنى واضح عند العقل لا يشتبه على العوام ، فضلا عن الخواص. والمذهب أنه غير العلم والمعرفة ، لأن من الكفار من كان يعرف الحق ولا يصدق به عنادا واستكبارا. قال الله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١).
وقال : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (٢).
وقال : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٣)
وقال حكاية عن موسى (عليهالسلام) لفرعون : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) (٤)
فاحتيج إلى الفرق بين العلم بما جاء به النبي (عليهالسلام) وهو معرفته ، وبين التصديق ليصح كون الأول حاصلا للمعاندين ، دون الثاني ، وكون الثاني إيمانا دون الأول. فاقتصر بعضهم على أن ضد التصديق هو الإنكار والتكذيب ، وضد المعرفة النكارة والجهالة. وإليه أشار الإمام الغزالي (٥) (رحمهالله) حيث فسر التصديق بالتسليم ، فإنه لا يكون مع الإنكار والاستكبار ، بخلاف العلم
__________________
(١) سورة البقرة آية رقم ١٤٦.
(٢) سورة البقرة آية رقم ١٤٤.
(٣) سورة النمل آية رقم ١٤.
(٤) سورة الإسراء آية رقم ١٠٢.
(٥) سبق الترجمة له في كلمة وافية.