ونحن نقول : لا شك أن التصديق المعتبر في الإيمان هو ما يعبر عنه في الفارسية بگرويدن وباور كردن وراست گوى داشتن إذا أضيف إلى الحاكم ، وراست داشتن وحق داشتن إذا أضيف إلى الحكم. ولا يكفي مجرد العلم والمعرفة الخالي عن هذا المعني. لكن هاهنا مواضع نظر ومطارح فكر لا بد من التنبيه عليها ، ولا غنى من الإشارة إليها :
الأول ـ أنه ليس معنى كون المأمور به مقدورا. واختياريا أنه يلزم أن يكون البتة من مقولة الفعل التي ربما ينازع في كونها من الأعيان الخارجية دون الاعتبارات العقلية ، بل أن يصح تعلق قدرته به ، وحصوله بكسبه واختياره ، سواء كان في نفسه من الأوضاع والهيئات ، كالقيام والقعود ، أو الكيفيات كالعلم والنظر. (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (١) (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢). أو الانفعالات كالتسخين ، والتبرد ، والحركات ، والسكنات ، وغير ذلك ، كالصلاة. أو التروك كالصوم ، إلى غير ذلك. ومع هذا فالواجب المقدور المثاب عليه بحكم الشرع يكون نفس تلك الأمور ، لا مجرد إيقاعها. فكون الإيمان مأمورا به اختياريا ، مقدورا مثابا عليه ، لا ينافي كونه كيفية نفسانية يكتسبها المكلف بقدرته واختياره بتوفيق الله تعالى وهدايته على أنه لو لزم كون المأمور به هو الفعل بمعنى التأثير ، جاز أن يكون معنى الأمر بالإيمان الأمر بإيقاعه واكتسابه وتحصيله ، كما في سائر الواجبات.
الثاني ـ أن ابن سينا ، وهو القدرة في فن المنطق والثقة في تفسير ألفاظه وشرح معانيه صرح بأن التصديق المنطقي الذي قسم العلم إليه وإلى التصور هو بعينه اللغوي المعبر عنه في الفارسية «بگرويدن» المقابل للتكذيب ، قال في كتابه المسمى «بدانش نامه» «علائى دانش» «دو كونه است يكى دريافتن ودر رسيدن وآن را أبتازى قصور خوانند ودوم گرويدن وآن را به تازى تصديق خوانند». وهذا صريح بأن ثاني قسمي العلم هو المعنى الذي وضع بإزائه لفظ التصديق في لغة العرب ، «وگرويدن» في لغة الفرس ، ونفى لما عسى يذهب إليه معاند
__________________
(١) سورة محمد آية رقم ١٩.
(٢) سورة يونس آية رقم ١٠١.