من أن «گرويدن» في المنطق غيره في اللغة. وقال في الشفاء : التصديق في قولك البياض عرض هو أن يحصل في الذهن نسبة صورة هذا التأليف إلى الأشياء أنفسها أنها مطابقة لها. والتكذيب يخالف ذلك. فلم يجعل التصديق حصول النسبة التامة في الذهن على ما يفهمه البعض ، بل حصول أن ينسب الذهن الثبوت أو الانتفاء الذي بين طرفي المؤلف إلى ما في نفس الأمر بالمطابقة. ومعناه نسبة الحكم إلى الصدق. أعني صادق «داشتن وگرويدن» وبينه بأنه ضد التكذيب الذي معناه النسبة إلى الكذب. أعني كاذب داشتن.
وبهذا يندفع ما يقال إن الحكم فعل اختياري هو الإيقاع أو الانتزاع ، فكيف يكون نفس التصديق أو جزؤه. والتصديق قسم من العلم الذي هو من مقولة الكيف أو الانفعال. ونعم ما قال من قال : الإسناد والإيقاع ، ونحو ذلك ، ألفاظ وعبارات. والتحقيق أنه ليس للنفس هاهنا تأثير وفعل. بل إذعان وقبول وإدراك أن النسبة واقعة ، أو ليست بواقعة. نعم ، حصول هذا التصديق قد يكون بالكسب. أي مباشرة الأسباب بالاختيار ، كإلقاء الذهن وصرف النظر ، وتوجيه الحواس ، وما أشبه ذلك. وقد يكون بدونه كمن وقع عليه الضوء فعلم أن الشمس طالعة. والمأمور به يجب أن يكون من الأول.
فإن قيل : فاليقين الحاصل بدون الإذعان والقبول ، بل مع الجحود والاستكبار ، كما للسوفسطائي ، ولبعض الكفار يكون من قبيل التصور دون التصديق. وهو ظاهر البطلان.
قلنا : نحن لا ندعي إلا كون التصديق المنطقي على ما يفسره رئيسهم ، لا على ما يفهمه كل نساج وحلاج ، هو التصديق اللغوي ، المقابل للتكذيب ، المعبر عنه «بگرويدن». وأنه لا يصح حينئذ بت القول وإطباق القوم على أن المعتبر في الإيمان هو اللغوي ، دون المنطقي. بل غايته أن يجب اشتراط أمور كالاختيار وترك الجحود والاستكبار. وأما أنه يلزم على قصد تقسيمه وتفسيره كون اليقين الخالي عن الإذعان والقبول تصورا أو خارجا عن التصور (١)
__________________
(١) التصور : حصول صورة الشيء في الذهن ، وقيل : هو إدراك الماهية من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات.