والتصديق ، فذلك بحث آخر. لكن الكلام في إمكان الإيقان بدل الإذعان ، وفي كون بعض الكفار موقنين بجميع ما جاء به النبي (عليهالسلام) غير مصدقين ، وفي أن كفرهم ليس من جهة الإباء عن الإقرار باللسان والاستكبار عن امتثال الأوامر ، وقبول الأحكام ، والإصرار على التكذيب باللسان ، إلى غير ذلك من موجبات الكفر ، مع تصديق القلب لعدم الاعتداد به مع تلك الأمارات ، كما في إلقاء المصحف في القاذورات.
الثالث ـ أنّا لا نفهم من نسبة الصدق إلى المتكلم بالقلب سوى إذعانه وقبوله وإدراكه لهذا المعنى. أعني كون المتكلم صادقا من غير أن يتصور هناك فعل وتأثير من القلب. ونقطع بأن هذا كيفية للنفس قد تحصل بالكسب والاختيار ومباشرة الأسباب ، وقد تحصل بدونها. فغاية الأمر أن يشترط فيما اعتبر في الإيمان أن يكون تحصيله بالاختيار على ما هو قاعدة المأمور به. واما أن هذا فعل وتأثير من النفس ، لا كيفية لها ، وأن الاختيار معتبر في مفهوم التصديق اللغوي فممنوع ، بل معلوم الانتفاء قطعا. ولو كان الإيمان والتصديق من مقولة الفعل دون الكيف (١) لما صح الاتصاف به حقيقة إلا حال المباشرة والتحصيل ، كما لا يخفى على من يعرف معنى هذه المقولة.
الرابع ـ أنه وقع في كلام كثير من عظماء الملة ، وعلماء الأمة مكان لفظ التصديق لفظ المعرفة والاعتقاد فينبغي أن يحمل على العلم التصديق المعبر عنه بگرويدن ، ويقطع بأن التصديق من جنس العلوم والاعتقادات ، لكنه في الإيمان مشروط بقيود وخصوصيات كالتحصيل والاختيار ، وترك الجحود والاستكبار. ويدل على ذلك ما ذكره أمير المؤمنين (علي كرم الله وجهه) أن الإيمان معرفة ، والمعرفة تسليم ، والتسليم تصديق.
__________________
(١) الكيف : هيئة قارة في الشيء لا يقتضي قسمة ولا نسبة لذاته فقوله هيئة يشمل الأعراض كلها ، وقوله قارة في الشيء احتراز عن الهيئة الغير قارة كالحركة والزمان ، والفعل والانفعال ، وقوله لا يقتضي قسمة يخرج الكم ، وقوله ولا نسبة يخرج الأعم ، وقوله لذاته ليدخل فيه الكيفيات المقتضية للقسمة أو النسبة بواسطة اقتضاء محلها ذلك وهي أربعة أنواع : الأول الكيفيات المحسوسة إلخ راجع التعريفات للجرجاني ص ١٦٦.