فإن قيل : قد ذكر إمام الحرمين ، والإمام الرازي ، وغيرهما أن التصديق من جنس كلام النفس ، وكلام النفس غير العلم والإرادة.
قلنا : معناه أنه ليس بمتعين أن يكون علما أو إرادة ، بل كل ما يحصل في النفس من حيث يدل عليه بعبارة أو كتابة أو إشارة ، فهو كلام النفس ، سواء كان علما ، أو إرادة أو طلبا ، أو إخبارا ، أو استخبارا ، أو غير ذلك. وليس كلام النفس نوعا من المعاني مغايرا لما هو حاصل في النفس باتفاق الفرق ، وإلا كان إنكاره إنكارا للتصديق والطلب ، والإخبار ، والاستخبار ، وسائر ما يحصل في القلب. وليس كذلك ، بل إنكاره عائد إلى أن الكلام هو المسموع فقط دون هذه المعاني. فالقول بأن الإيمان كلام النفس لا يكفي في التقصي عن مطالبته أنه من أي نوع من أنواع الأغراض ، وأية مقولة من المقولات (١)؟ ولا محيص سوى تسليم أنه من الكيفيات النفسية الحاصلة بالاختيار ، الخالية عن الجحود والاستكبار. وليت شعري أنه إذا لم يكن من جنس العلوم والاعتقادات ، فما معنى تحصيله بالدليل ، أو التقليد؟ وهل يعقل بأن يكون ثمرة النظر والاستدلال غير العلم والاعتقاد ، وكلام كثير من ذوي التحصيل القائلين بالتصديق يدل على أنهم لا يعنون بالمعرفة التي لا تكفي في الإيمان معرفة حقية جميع ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم.
قال أبو المعين النسفي في تبصرة الأدلة : لا يلزم من انعدام العلم انعدام التصديق. فإنا آمنا بالملائكة والكتب والرسل ، ولا نعرفهم بأعيانهم. والمعاندون يعرفون ولا يصدقون ، كما قال الله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) (٢)
__________________
(١) المقولات : التي تقع فيها الحركة أربع : الأول الكم ووقوع الحركة فيه على أربعة أوجه : الأول : التخلخل ، والثاني التكاثف والثالث : النمو ، والرابع : الذبول ، الثانية من المقولات التي تقع فيها الحركة : الكيف ، الثالثة من تلك المقولات : الوضع كحركة الفلك على نفسه فإنه لا يخرج بهذه الحركة من مكان إلى مكان لتكون حركته أينية ولكن يتبدل بها وضعه ، الرابع من تلك المقولات الأين وهو النقلة التي يسميها المتكلم حركة وباقي المقولات لا تقع فيها حركة والمقولات عشرة قد ضبطها هذا البيت.
قمر غزير الحسن ألطف مصره |
|
لو قام يكشف غمتى لما انثنى |
(٢) سورة البقرة آية رقم ١٤٦.