اختصاص بعالم العناصر أشباحا مصورة تخاطبه ، وتحدث في سمعه كلاما منظوما يحفظ ويتلى، وهذا هو الوحي ، ونزول الملك والكتاب ، وأما كون ذلك من الله تعالى لنظام المعاش ، ونجاة المعاد ، وصلاح العباد ، مع نفي القصد والغرض من أفعاله ، والعلم بالجزئي على الوجه الجزئي في اوصافه ، فقرروه بأن العناية الإلهية ، أعني إحاطة علمه السابق بنظام الموجودات على الوجه اللائق تقتضي فيضان ذلك النظام على الترتيب والتفصيل الذي من جملته وجود الشروع والشارع ليكون الموجود على وفق المعلوم ، ولا خفاء في أن هذا لا يكفي فيما ثبت بالضرورة من الدين).
في طريقة الفلاسفة بالاحتياج إلى النبي والشريعة (١) ، وبثبوت المعجزة ، لكن يقررون ذلك على وجه لا يوافق ما علم بالضرورة من الدين.
أما تقريرهم في الاحتياج الى النبي فهو أن الإنسان مدني بالطبع ، أي محتاج في تعيشه إلى التمدن ، وهو اجتماعه مع بني نوعه للتعاون والتشارك في تحصيل ما يحتاجون إليه من الغذاء الموافق ، واللباس الواقي من الحر والبرد ، والمسكن الملائم بحسب الفصول المختلفة ، والسلاح الحامي عن السباع والأعداء ، فإن كل ذلك مما يحصل بالصناعات ، ولا يمكن للإنسان الواحد القيام بجميعها ، بل لا بد أن يخبز هذا لذلك ، وذلك يخيط لآخر ، وآخر يتخذ الإبرة له إلى غير ذلك من المصالح التي لا بقاء للنوع (٢) بدونها ، ثم ذلك التعاون والتشارك لا يتم إلا بمعاملات فيما بينهم ومعاوضات ، ولا ينتظم إلا بقانون متفق عليه مبني على العدل والإنصاف ، ضابط لما لا حصر له من الجزئيات ، لئلا يقع الجور ، فيختل أمر النظام لما جبل عليه كل أحد من أنه يشتهي ما يحتاج إليه ، ويغضب على من
__________________
(١) الشريعة : هي الائتمار بالتزام العبودية ، وقيل الشريعة هي الطريق في الدين.
(٢) النوع : اسم دال على أشياء كثيرة مختلفة بالأشخاص والنوع الحقيقي : كل مقول على واحد أو على كثيرين متفقين بالحقائق في جواب ما هو فالكلي : جنس ، والمقول على واحد إشارة إلى النوع المنحصر في الشخص ، والنوع الإضافي : هي ماهية يقال لها وعلى غيرها الجنس قولا أوليا أي بلا واسطة كالإنسان بالقياس إلى الحيوان فإنه ماهية يقال عليها وعلى غيرها كالفرس الجنس ، وهو الحيوان ، حتى إذا قيل ما الإنسان والفرس ، فالجواب أنه حيوان ، وهذا المعنى يسمى نوعا إضافيا لأن نوعيته بالإضافة إلى ما فوقه وهو الحيوان والجسم النامي ، والجسم والجوهر.